عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
عادل إمام … أول الثائرين
مقال
باروميتر
محمد أكرم
5/16/2025


عام 1992، يدخل الجمهور قاعات السينما بالقاهرة ليشاهدوا فيلم عادل إمام الجديد، الذي كان وقتئذ نجم الشاشة الكبيرة في مصر والعالم العربي، حيث كانت أفلامه في تلك الفترة مؤثرة بشكل كبير على المجتمع المصري، يدخل الجمهور الفيلم بعنوان جذاب وملفت: "الإرهاب والكباب"، ظن الجمهور في بداية الفيلم أنهم بصدد فيلم كوميدي من طراز عادل إمام، ولكن ما رأوه داخل قاعات السينما شيء آخر، كانت قاعات السينمات وقتها آلة زمنية، أخذت متفرجي الفيلم إلى المستقبل، أو بالأخص إلى ميدان التحرير (مسرح أحداث الفيلم) بعد تسعة عشر عامًا.
تدور أحداث الفيلم حول "أحمد فتح الباب"، موظف بسيط ينتمي إلى أواخر الطبقة الوسطى، يعاني أحمد من مشكلة بسيطة، هي أن مدرسة أبنائه تبعد عن البيت، ولهذا ذهب أحمد إلى "مجمع التحرير" لتحويل أوراق أبنائه إلى مدرسة قريبة من مسكنه، إلا أن تقاعس الموظفين أدى إلى شجار بينه وبينهم، وفي لحظة من الزمن، وجد أحمد نفسه محتلاً لمجمع التحرير، وممسكًا بسلاحه، بعد أن فهِم الناس في المجمع من إطار الشجار أنه يملك مسدس.
بعد انتهاء الفيلم، خرج الجمهور من قاعات السينما وهم يعلمون أنهم شاهدوا واحدًا من الأفلام التي ستُنقش في قائمة كلاسيكيات السينما المصرية ، واجه الفيلم الكثير من الانتقادات وقتها، واحدة من أهم الانتقادات هي الترويج لإثارة الشغب، حيث إن قصة الفيلم كانت صدامية بشكل لم يحدث من قبل، كل فئات المجتمع في مكان واحد "مجمع التحرير" ويطالبون الدولة، الممثلة في وزير الداخلية، الذي قام بدوره كمال الشناوي بإتقان، ولكن المشهد الأكثر حساسية وتأثيرًا كان مشهد مطالب المجمع، والذي كان أول مطلب لهم هو اسم الفيلم "الكباب"، حيث ردد كل من في المجمع وقتئذ شعارًا واحدًا: "الكباب الكباب لنخلي عيشتكوا هباب"، الشعار الذي رُدد بعد تسعة عشر عامًا في المكان نفسه.
في الخامس والعشرين من شهر يناير مطلع العام 2011، اندلعت في شوارع القاهرة احتجاجات شعبية واسعة، حتى يوم الثامن والعشرين من الشهر نفسه، عندما سيطر المصريون على ميدان التحرير بكل مداخله ، الشعارات وقتئذ كانت واحدة: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، تلك المطالب التي بدأت بالعيش، الرمز الذي لطالما استخدمه المصريون للتعبير عن واحد من أهم حقوق المواطنة، بل هو أول حق من حقوق المواطنة، هو أساسيات الحياة من مأكل ومشرب، والذي كان هو أيضًا أول مطلب من مطالب المحبوسين في مجمع التحرير قبل تسعة عشر عامًا: الكباب، الذي ظل دائمًا رمزًا للرفاهية عند المصريين، ولكن ذلك الرمز استخدم بذكاء شديد للتعبير عن أول مطلب لهذا الشعب، وهو مطلب طبيعي لأي شعب.
في مشهد درامي مؤثر، يجلس عادل إمام "أحمد" بعدما سُئل في الفيلم عن مطلبه الشخصي، كان مطلب أحمد بسيطًا ومعقدًا، حيث قال: "أنا مش عايز غير إنسانيتي.. مش عايز أتهان.. مش عايز أتهان في البيت أو في الشغل أو في الشارع.. بيتهيألي دي مطالب متتعاقبش عليها"، جملة لخّصت مطالب الملايين الذين ثاروا بعد عقدين من عرض الفيلم: العدالة الاجتماعية والحرية الشخصية ، مطالب كما وصفها البطل بديهية لأقصى درجة، ولكن هذا المطلب ظل حلمًا للمصريين، عاشوه لمرة واحدة في ميدان التحرير.
الفيلم مليء بالرمزيات التي جعلته واحدًا من أفضل الأفلام المصرية، ولكن من وجهة نظري، أفضل رمزية في الفيلم هي السلاح الذي واجه به أبطال الفيلم الثائرين الجنود المتربصين بهم خارج المجمع ، وهو أسطوانات الغاز ، وفي مشهد قوي في الفيلم، يحمل أحد الأبطال أسطوانة غاز ويرمي بها إلى مدخل المجمع لتنفجر، والرمزية هنا هي ما أستخدمه مخرج الفيلم منذ أول مشهد: الضغط يولد الانفجار، قاعدة فيزيائية اعتمد عليها أحمد بطل الفيلم وهو يرمي الأسطوانات، حيث إن الضغط المتولد للغاز في الأسطوانة نتيجة الارتطام بالأرض، سيجعل مصير الأسطوانة هو الانفجار الأكيد ، كمشهد الأتوبيس الشهير، والشبيه بالأسطوانة في مظهره سواء الخارجي أو الداخلي، أتوبيس مليء بالمواطنين الغاضبين، غاضبين من حالهم، من أنفسهم، من بلاد أحبوها ولم تحبهم.
ينتهي الفيلم بمشهد كان عبقريًا، والذي توقّع أيضًا نهاية ثورة يناير "كما توقّع اندلاعها"، في مشهد يخرج فيه الأبطال كلهم ـ بما فيهم أحمد ـ من مجمع التحرير فجرًا، ويقتحم الجنود المجمع ليجدوه ممهَّدًا لهم، ولم يجدوا أثرًا لأحد، سيطروا عليه مرة أخرى وفي لقطة دائرية بديعة، يقف الأبطال ليلقوا نظرة على مجمع التحرير مع أول خيط لشمس اليوم التالي، المجمع في هدوء رهيب، يبتسمون، ليس لأنهم حققوا حلمهم، بل لأنهم ملكوا قرارهم لبضع سويعات، كانت أشبه بالحلم، عبّروا عن مطالبهم حتى وإن لم تتحقق، سمع العالم صوتهم حتى ولو لم يرَ صورتهم، أو مثل المقولة الشهيرة: لقد مسّهم الحلم مرة.