عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
عبد الرحمن أبو زهرة... حي يُرزق والدولة تُعلن وفاته!
تقرير
المراية
شمس ابوغنيمة
5/17/20251 دقيقة قراءة


بينما كان يجلس في منزله بعد عقود من العطاء الفني والثقافي، فوجئ الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة بأن الدولة أوقفت معاشه بزعم وفاته، لم تكن إشاعة طائشة على وسائل التواصل، بل إجراءً رسميًا استند إلى إخطار من الأحوال المدنية بأن الرجل قد "رحل عن الحياة"، هكذا، اضطر أبو زهرة إلى أن يُرسل نفسه بنفسه إلى مكاتب الدولة، لإثبات أنه لا يزال على قيد الحياة بشهادة "وجود"، واقعة تبدو عبثية، لكنها تكشف بوضوح كيف تُعامل الدولة رموزها الفنية حين يُصبح الزمن أكثر حضورًا من الشهرة.
من بنها إلى الذاكرة الجماعية: مسيرة لا تُشبه النهايات
وُلد عبد الرحمن أبو زهرة في 8 مارس 1934 بمدينة بنها، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1958، بدأ رحلته من المسرح القومي بمسرحية "عودة الشباب"، ومنذ اللحظة الأولى، صار صوته وأداؤه علامة مسجلة يصعب تقليدها، اشتهر بالمثابرة والانضباط، حتى في الأدوار الثانوية، ولم يكن مجرد "ممثل عابر"، بل حاملًا لمعنى عميق في كل مشهد، حتى دون أن ينطق كثيرًا.
الأب، الصديق، والشرير النبيل: أدوار تتعدد ويمتلكها
قدّم عشرات الشخصيات التي رسخت مكانته كأحد أعمدة التمثيل في مصر، في المسرح كان "المعلم"، وفي السينما حصد إعجاب النقاد والجمهور، وعلى الشاشة الصغيرة كان "الجد الحكيم" أو "الأب الراقي"، لكنه أيضًا لم يتردد في أداء الأدوار المركبة والشريرة، فأبهر الجمهور بشخصيات تثير التعاطف رغم قسوتها.
صوت عبر الأجيال: "سكار" ليس مجرد دوبلاج
قد لا يعرف كثيرون أن عبد الرحمن أبو زهرة هو صاحب الصوت العربي لشخصية "سكار" في النسخة المدبلجة من فيلم "الأسد الملك"، أداء مميز مزج بين الكاريزما والرعب والجاذبية، وعلق في أذهان أجيال من الأطفال والمراهقين، وصفه كثيرون بأنه "مدرسة في الأداء الصوتي"، ما جعله من أبرز رواد فن الدوبلاج في العالم العربي.
مرارة التهميش: "أشعر أنني منسي"
في عدة لقاءات، تحدّث أبو زهرة عن شعوره بالخذلان من الوسط الفني والإعلامي، خاصة بعد تقدمه في العمر، قال مرةً: "قدمت ما قدمت، ولكنني أشعر أنني منسي، لم أعد أجد دعوات للمهرجانات، ولا أدوارًا تليق بما قدمت." ابتعاده عن الشاشة لم يكن قرارًا شخصيًا، بل نتيجة تغييب متعمّد لأسماء الروّاد في زحام السوق.
وفاة على الورق... وخذلان على الأرض
واقعة إيقاف المعاش كانت تجسيدًا قاسيًا لهذا الشعور بالخذلان، ابنه صرّح: "ذهبنا إلى هيئة المعاشات فأخبرونا أن الأحوال المدنية أبلغتهم بوفاته، وطُلب منا أن يأتي والدي بنفسه لإثبات أنه لا يزال حيًا." لم يكن خطأ إداريًا عابرًا، بل صفعة معنوية لفنان لم يتخلَّ عن المسرح، لكن الدولة تخلت عنه ولو على الورق.
الإنسان خلف الفنان: قليل الكلام، عميق الأثر
بعيدًا عن الأضواء، يعيش أبو زهرة حياة بسيطة، يحب الموسيقى، يقرأ بنهم، ويقدّر الفن الرفيع، تواضعه معروف، ويُروى عنه تشجيعه الدائم للشباب حتى دون معرفة شخصية بهم، يتابع تجاربهم دون ضجيج.
حين لا يموت الفنان، لكن تقتله الإجراءات
عبد الرحمن أبو زهرة ليس مجرد فنان، بل ذاكرة صوتية وبصرية لا تُنسى، وواقعة "وفاته الورقية" ليست مجرد خلل في إدارة، بل مؤشّر مؤلم على الفجوة بين ما قدّمه هذا الجيل، وما تناله رموزه اليوم من تقدير، ربما السؤال هنا ليس: من أخطأ؟ بل: من يعيد الاعتبار لفنان ما زال على قيد الحياة... وينتظر فقط بعض الوفاء؟