عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

عبد الرحمن الأبنودي.. شاعر الجنوب وصوت المقاومة

تقرير

المراية

منار تامر

4/12/20251 دقيقة قراءة

في زحمة الأصوات المتشابهة، خرج صوت عبد الرحمن الأبنودي كأنه قادم من باطن الأرض، محملًا برائحة التراب، ولهجة الجنوب، وصدق الفطرة.

لم يكن شاعرًا عابرًا في تاريخ العامية المصرية، بل كان علامة فارقة، ومحطة لا يمكن تجاوزها في رحلة الشعر الشعبي، الذي اختار أن يكون سلاحًا لا ترفًا، وموقفًا لا مجرد كتابة.

وُلِد "الخال"، كما يحب أن يناديه الجميع، عام 1939 في قرية أبنود بمحافظة قنا، حيث لا يمنع الفقر الحلم، ولا يقيد الخيال.

كانت بدايته طفلًا يرعى الغنم، لكنه كان يرعى في داخله شاعرًا آخر، سينمو على صوت أمه، فاطمة قنديل، التي قال عنها: "كانت أول دواويني، وأجمل أغنياتي".

جاء الأبنودي ليحرر القصيدة العامية من أسر الزجل التقليدي، ويمنحها لسانًا جديدًا ينبض بحرية التعبير، ويكتب عن هموم الوطن لا هموم القلب فقط. فلم تكن كلماته مجرد وصفٍ للعاطفة، بل وثيقة حياة، وتاريخ شعب، وأرشيف مقاومة.

رحل الأبنودي إلى العاصمة يحمل قلب الجنوب وصوته، وهناك تعرّف على الشاعر أمل دنقل، وسكنا "عوّامة" تحولت إلى محراب إبداع.

كتب أولى أغانيه الناجحة مثل "تحت الشجر يا وهيبة"، والتي فتحت له أبواب الفن، وجعلت صوته مألوفًا على ألسنة الناس.

ورغم شهرته الواسعة في كتابة الأغاني، ظل الأبنودي يُصرّ على أنه "شاعر يكتب الأغاني"، لا "شاعر أغنية"، فكان يرى في الأغنية وسيلة للعيش، وفي القصيدة وسيلة للحياة. لذلك، حين كتب لعبد الحليم حافظ أو محمد منير، كان يحمل معه وجع الوطن، ولو تغنّى بالحب.

كتب الأبنودي عن فلسطين كما لو كانت ضيعته، وعن أطفال الحجارة كما لو كانوا أولاده. وقف ضد الاحتلال، وضد القهر، وضد من أرادوا تسكين الجراح، حيث كانت قصيدته "الموت على الأسفلت" صرخة لم تخفت، ولا تزال تتردد في الذاكرة العربية.

لم يكن الأبنودي على وفاق دائم مع السلطة؛ دخل السجن في عهد عبد الناصر، واصطدم مع السادات، وتجاهله مبارك. لكنه أيضًا غنّى لعبد الناصر بعد وفاته، قائلًا: "قلبت في كل الوشوش، مالقيتش زيه".

أيد ثورة يناير، ثم انحاز لاحقًا للرئيس السيسي، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول موقفه السياسي، دون أن يُنقص من قَدره الإبداعي شيئًا.

ترك الأبنودي أكثر من 22 ديوانًا، أبرزها: جوابات حراجي القط، السيرة الهلالية، والموت على الأسفلت.

شخصياته، مثل "العمة يامنة"، لم تكن مجرد خيال أدبي، بل تجسيدًا لصوت الريف المهمّش، والمرأة المنسية.

رحل الأبنودي في 21 أبريل 2015، بعد صراع مع المرض، لكنه لم يرحل من الوجدان. قال قبيل وفاته: "أنت أكبر من عانى يا شعب مصر، ولم ينصفك أحد"، ليغادر كما عاش، محبًّا ومهمومًا.

كان الأبنودي شاعرًا يحمل قريته على ظهره أينما ذهب، ويزرعها في أغانيه وقصائده. فلم يكن شاعر نخبة، بل شاعر ناس، شاعر قضايا لا قصائد فقط. هو صوت الصعيد، وضمير الأمة، وكلمة الحق التي وجدت طريقها إلى وجدان كل من سمعها.