عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

عفاف راضي: الصوت الذي غنّى للنيل والحب والبساطة

تقرير

وجه آخر

نورهان عادل

5/9/20251 دقيقة قراءة

في زمنٍ كانت فيه الأغنية العربية تسير بين أصوات العمالقة، خرج صوت مختلف... صوت ناعم كنسمة صباح، عميق كالنيل، وشفّاف كالحلم. عفاف راضي، تلك الفتاة التي جاءت من أرض الصعيد، لم تُرِد أن تُشبه أحدًا، بل أرادت أن تكون نفسها: صوتًا لا يعلو بالصخب، بل يرتفع بالصدق.

من دمنهور إلى معهد الموسيقى: بداية حلم ناعم

وُلدت عفاف راضي عام 1954 في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، ونشأت في أسرة صعيدية تهتم بالتعليم والثقافة، وانتقلت إلى القاهرة، حيث التحقت بمعهد الكونسرفتوار وتخصّصت في الموسيقى الغربية، فأتقنت الغناء الأوبرالي إلى جانب عشقها للطرب الشرقي.

في مشوارها الأكاديمي، لم تكن مجرد طالبة مجتهدة، بل كانت مشروع فنانة تحمل ملامح مختلفة عن بنات جيلها.

لقاء مع بليغ حمدي: انطلاقة لا تُنسى

كانت اللحظة الفارقة حين التقت بالملحن الكبير بليغ حمدي، الذي رأى في صوتها طاقة غير مستغلة، فتبنّى مشروعها الفني، وكتب لها وألّف أجمل أغانيها، فخرجت لنا روائع مثل:

ردوا السلام

هواك ميّال

الجرس

إمتى بقى تقولي بحبك

امتازت أغنياتها بخفة الظل، والعمق، والروح المصرية البسيطة التي تُشبه شوارعنا وحديث الناس.

الصوت الذي لم يصرخ... لكنه وصل

عفاف راضي لم تبحث عن البطولة السينمائية، ولا عن الأضواء الصاخبة، بل اختارت أن تكون فنانة بأقل قدر من الضجيج، وأكثر قدر من التأثير.

لم تكن صوتًا استعراضيًا، بل كانت حالة غنائية مميزة، تؤمن بأن الإحساس أقوى من الطبقات، وأن الصدق أهم من التصفيق.

الحفاظ على المسافة: نجومية بلا ابتذال

في وقتٍ انجرفت فيه كثيرات نحو التنازلات، بقيت عفاف راضي محافظة على صورة نقية لفنانة تُشبه جمهورها، فلم تُبالغ في الظهور، ولم تسعَ إلى الانتشار السريع، بل كانت تظهر لتقدّم فنًّا صادقًا، ثم تعود إلى الظل برضا كامل.

حتى في حفلاتها القليلة، كانت تختار بعناية ما تقول، وما تغني، وكيف تطل.

العودة بعد الغياب: نفس الصوت... ونفس الرقي.

رغم غيابها لفترات طويلة، لم ينسَ الجمهور عفاف راضي، وحين عادت في السنوات الأخيرة، كان صوتها لا يزال يحمل النبرة الهادئة والحنونة نفسها التي أحبّها الناس.

لم تُغيّرها السنوات، وظلّت تغني وكأنها تغازل النيل، أو تحكي حكاية بين حارتين، أو تسأل عن الحبيب الذي تأخّر في الرد.

إرث عفاف راضي: الفن الذي يعيش بهدوء

لم تُقدّم عفاف راضي مئات الأغاني، لكنها تركت في كل أغنية بصمة، وكانت فنانة تعرف قيمة الصمت كما تعرف جمال اللحن، وتؤمن بأن الفن ليس مجرد شهرة، بل ذوق ومسؤولية.

هي ابنة جيل تربّى على أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، لكنها شقّت طريقها الخاص دون أن تُقلّد أو تُكرّر.

صوت لا يشبه غيره

في زمن الأضواء المبهرة، كانت عفاف راضي تُشبه الضوء الناعم الذي يدخل من نافذة بيت في حيٍّ قديم، لا يصرخ، لا يتكلف، لكنه يضيء المكان.