عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

أحمد الغندور... "الدحيح" الذي غيّر وجه المحتوى العربي على يوتيوب

تقرير

المراية

منى حامد

5/20/2025

في زمن الفيديوهات الترفيهية القصيرة، ظهر أحمد الغندور كاستثناء نادر: شاب مصري استطاع أن يجعل من المحتوى العلمي مادة ممتعة وجاذبة للملايين عبر منصة يوتيوب، ليصبح "الدحيح" – لقبه الشهير – أحد أكثر الأسماء شهرة وتأثيرًا في العالم العربي على الإنترنت.

وُلد أحمد الغندور في 14 يناير 1994 بالقاهرة، ودرس البيولوجيا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم تخصّص في مجال "التواصل العلمي"، وهو فرع حديث نسبيًا يركّز على تبسيط العلوم لعامة الناس، هذه الخلفية العلمية والأكاديمية أسهمت بشكل كبير في صياغة أسلوبه الفريد، الذي جعله نجمًا لا يُقارن في ساحة المحتوى الرقمي العربي.

من شاب هاوٍ إلى ظاهرة رقمية

بدأت رحلة الغندور على يوتيوب عام 2014 بفيديوهات قصيرة وبسيطة، يصوّرها من غرفته ويشرح فيها مفاهيم علمية معقدة بطريقة ساخرة وسلسة، لم تكن البداية مبهرة على مستوى الإنتاج، لكن شيئًا ما في طريقة السرد والتفكير لفت أنظار الجمهور.

في عام 2017، بدأ الغندور التعاون مع شبكة "AJ+" التابعة للجزيرة، حيث حصل برنامجه "الدحيح" على دفعة إنتاجية كبيرة، ما أتاح له الوصول إلى جمهور أوسع، وبدأت الحلقات تُنتَج بجودة تصوير ومونتاج عالية، دون المساس بالروح الساخرة والذكية التي تميز بها، استمر التعاون حتى منتصف عام 2020، حين أعلنت الشبكة توقف البرنامج بشكل مفاجئ، ما أثار جدلًا واسعًا وتكهنات عديدة حول أسباب لم تُؤكَّد رسميًا.

المحتوى... علمي لكنه ليس جافًا

أكثر ما يميز محتوى أحمد الغندور على يوتيوب هو المزج الماهر بين العلوم والدراما والكوميديا، ففي كل حلقة، يأخذ الغندور مشاهديه في رحلة معرفية تبدأ من سؤال بسيط أو ظاهرة شائعة، ثم تتشعّب في اتجاهات متعددة تتقاطع مع علم النفس، الفلسفة، الفيزياء، البيولوجيا، وحتى علم الاجتماع والتاريخ.

يعتمد الغندور على بناء سردي معقّد، لكنه يقدم المعلومات بلغة مبسّطة، مستعينًا بتقنيات القصّ، والاقتباسات الثقافية، والإسقاطات الذكية، في إحدى أشهر حلقاته بعنوان "عقدة أوديب"، ربط بين التحليل النفسي لفرويد وتاريخ الأساطير الإغريقية، مرورًا بسينما هوليوود ومفاهيم الهوية، هذا النوع من الربط الثقافي والمعرفي أكسبه جماهيرية متنوعة من طلاب الجامعات، وصنّاع المحتوى، وحتى المشاهد العادي الذي يبحث عن المتعة والمعلومة معًا.

وبحسب تصريحات الغندور في أكثر من مقابلة، فإن فريق "الدحيح" يعتمد على مراجعة علمية دقيقة لكل حلقة، وتخضع النصوص لمراحل تحرير وتدقيق تشمل أكاديميين مختصين، هذه المنهجية كانت ضرورية نظرًا لحساسية تقديم المعلومات العلمية لجمهور واسع، ما أكسب البرنامج مصداقية مهنية نادرة في فضاء يوتيوب العربي.

أرقام ومؤشرات النجاح

حتى مايو 2025، يبلغ عدد مشتركي قناة "الدحيح" على يوتيوب أكثر من 7.5 مليون مشترك، وتخطّت مشاهدات القناة حاجز المليار مشاهدة، حلقة واحدة من حلقاته يمكن أن تحقق أكثر من مليون مشاهدة في أيام قليلة من نشرها.

ورغم النجاح الساحق، لم يخلُ مسار الغندور من الانتقادات، فبعض العلماء اتهموه أحيانًا بتبسيط مفرط أو تقديم مفاهيم علمية بطريقة سطحية، كما تعرّضت بعض حلقاته لانتقادات بسبب نقله بعض المراجع دون الإشارة الدقيقة لها، وهو ما تداركه لاحقًا بتضمين المراجع في وصف الفيديو.

كذلك، تعرّض البرنامج لتُهَم غير مؤكدة بالارتباط بأجندات إعلامية معينة، خاصة أثناء فترة تعاونه مع "AJ+"، إلا أن الغندور نفى دائمًا أن يكون لديه أي توجّه سياسي، مؤكدًا أن هدفه الأول هو تبسيط العلوم، لا أكثر.

العودة من جديد... بشكل مستقل

بعد توقف البرنامج عام 2020، عاد الغندور في منتصف 2021 عبر منصة "New Media Academy" الإماراتية، في إنتاج مشترك حافظ على روحه الأصلية، لكنه قدّم تغييرات طفيفة في الأسلوب البصري، لاحقًا، اختار الغندور الاستقلال بمنصته الخاصة عبر يوتيوب، مستندًا إلى قاعدة جماهيرية ضخمة وشبكة دعم تشمل متبرعين على "باتريون" وداعمين عبر الإعلانات.

وقد تنوعت مواضيع حلقاته في هذه المرحلة لتشمل قضايا فلسفية أكثر عمقًا، مثل الوعي والذكاء الاصطناعي وأخلاقيات العلم، هذا التحول نال إعجاب قطاع من جمهور النخبة، لكنه أبعد قليلًا فئة من المشاهدين الباحثين عن الترفيه الخفيف.

"الدحيح" كرمز ثقافي

لم يعد أحمد الغندور مجرد صانع محتوى، بل أصبح رمزًا ثقافيًا لجيل جديد يرى في الإنترنت أداة للتعلّم والتسلية معًا، ظهوره في عدد من المؤتمرات العلمية، واستضافته في برامج تلفزيونية كبرى، وتكريمه من مؤسسات تعليمية، كلها مؤشرات على مكانته الخاصة كمثقف شعبي استطاع أن يخلق تأثيرًا بعيدًا عن المنظومة التعليمية التقليدية.

في عام 2022، دخل الغندور ضمن قائمة "Forbes 30 Under 30" الشرق الأوسط، كأحد أبرز المؤثرين في مجال التعليم، وقد نُشرت عنه عدة أبحاث أكاديمية تناولت أثر برنامجه في تعزيز الثقافة العلمية لدى الشباب العربي.

ويُطرح اليوم سؤال أساسي: هل أحمد الغندور حالة فردية أم بداية لمدرسة جديدة في صناعة المحتوى العربي؟ من الواضح أن تجربته حفّزت مئات الشباب لإنشاء قنوات تعليمية، بعضها يتبع نفس النهج السردي، وبعضها يقدم توجهات مغايرة.

لكن يبقى الغندور، حتى الآن، الأيقونة الأبرز، لأنه – ببساطة – أعاد تعريف "المعلومة" كمنتج ثقافي شعبي، في عصر السوشيال ميديا، حيث يندر أن يصبح المحتوى العلمي "ترندًا"، فعلها الدحيح... وفتح الباب لجيل جديد من رواة المعرفة.