عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
أحمد ياسين: شيخ الجورة الذي أرعب الاحتلال
مقال ـ ضمن مبادرة أكتب عن مشهورك
المراية
علاء عادل ـ طالب بكلية الهندسة
5/3/2025


هل سمعت من قبل عن بلدة تُدعى
الجورة؟ نعم، بالضبط: جورة عسقلان!
هنا، في مدينة المجدل جنوب قطاع غزة، وبالتحديد في بلدة الجورة، وُلد طفل ذات ليلة من ليالي يونيو عام 1936، أسمته أمه أحمد.
لكن قبل أن أحدثك عن الطفل، دعني أولًا أخبرك ببعضٍ من ملامح هذه البلدة، الجورة تميزت عن غيرها بزيتونها المبارك، وعلى أطرافها كانت تمتد البيّارات، تشهد على حكايات الفلاحين وضحكات أطفالهم.
وفي إحدى ليالي شهر رمضان من عام 1935، رأت الأم سعدة عبد الله الهبيل في منامها أن الله رزقها بولدٍ صالح، وكان يُنادى في الحلم بـ"أحمد"، فلما جاء المولود ذكرًا، سمّته بهذا الاسم تيمنًا بالبُشرى، رغم أن والده لم يكن راضيًا عنه لخلافٍ قديم مع رجل في القرية يُدعى أحمد.
كان اسمه: أحمد إسماعيل ياسين، وكان والده، إسماعيل، من أصحاب المكانة في القرية، وُلد في أسرة ميسورة الحال، لكنه لم يُكمل عامه الثالث حتى توفي والده، فذاق مرارة اليُتم باكرًا، في بيت جمع سبعة إخوة – أربعة من الأم وثلاثة من الأب.
تكفّلت به والدته سعدة وربّته وأخوته، حتى أصبح أهل البلدة يُكنّونه بـ"أحمد سعدة" بدلًا من "أحمد إسماعيل".
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، سقط القناع عن الاستعمار البريطاني، إذ تنصّل من تعهداته بوقف هجرة العصابات الصهيونية ومنع بيع الأراضي لهم، بل أصبح حاميًا لهم، فبدأت تلك العصابات تُحكم قبضتها على مفاصل الوطن.
وفي عام 1946، ومع تصاعد اعتداءات الصهاينة، انفجر الغضب الفلسطيني، فبدأت العائلات تبيع كل ما تملك لشراء السلاح والدفاع عن الأرض.
وحين وقعت نكبة 1948، ووصلت المعارك إلى تخوم الجورة، اضطرت أسرته إلى مغادرتها إلى غزة، كما فعل عشرات الآلاف من الأسر الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية، معتقدين أن العودة قريبة، لكنهم عاشوا في الخيام، ثم في بيوت الصفيح، وصاروا لاجئين.
كان الصبي قد تلقّى تعليمه الابتدائي حتى الصف الرابع في مدرسة الجورة، لكن ظروف النكبة أجبرته على الانقطاع عن الدراسة لنحو ثلاث سنوات، عاش خلالها الفقر، فعمل مع إخوته في مطعم تابع لعائلة أبو حصيرة لإعالة الأسرة،
لاحقًا، اشتاق للدراسة فعاد إلى مقاعدها في مدرسة الشافعي بغزة، ثم واصل مرحلته الإعدادية في مدرسة الكرمل.
وعلى شاطئ غزة، حيث نشأ لاحقًا "مخيم الشاطئ"، كان أحمد يلعب مع إخوته، لكنه في عمر السادسة عشرة تعرض لقفزة خاطئة أثناء اللعب تسببت بكسر في فقرات العنق، نتج عنه شلل نصفي، فصار يمشي بصعوبة.
ورغم ذلك، أكمل دراسته، حتى حصل على الثانوية العامة من مدرسة فلسطين عام 1958، وفي أكتوبر من العام نفسه، عُيّن مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية بعد اجتياز اختبارات التوظيف.
لكن لم تمر شهور حتى اعتقله الاحتلال، وتعرض لسوء معاملة وإهمال طبي أفقده القدرة على الحركة نهائيًا، فاضطر لاستخدام الكرسي المتحرك، الذي صار غرفة عملياته السرية التي أرهقت الاحتلال.
بعد الإفراج عنه، سافر إلى الأردن للعلاج، حيث استقبله الملك حسين، وزاره في المستشفى، كما زاره ياسر عرفات بعد أيام من عودته إلى غزة.
بعد نكبة 48، وُضعت غزة تحت الإدارة المصرية، وفي 1954، اعترض الإسلاميون على اتفاقية الجلاء التي أبرمها عبد الناصر مع البريطانيين، في العام نفسه، بايع الشيخ ياسين جماعة الإخوان المسلمين.
ورغم نكسة 1967، لم يعرف الإحباط طريقه إلى الشيخ، فبدأ بتأسيس نواة قوية للمقاومة على الصعد الفكرية والأمنية والعسكرية.
فأسّس الجمعية الإسلامية عام 1976 لنشر الثقافة الإسلامية، ثم أسّس مع رفاقه الجامعة الإسلامية، التي عمل فيها اثنان من إخوته كبستانيين.
رافقه في مسيرته الدعوية الحاج محمد عبد خطاب النجار، وشاركه في تأسيس مؤسسات عديدة منها "جمعية المجمع الإسلامي"، و"جمعية الرحمة"، و"مستشفى دار السلام" في خان يونس.
في 1982، اعتُقل بسبب نشاطه الدعوي، ووجهت له تهم تشكيل تنظيم مسلح وحيازة سلاح والتحريض ضد إسرائيل، صدر بحقه حكم بالسجن 13 عامًا، لكنه أُفرج عنه عام 1985 في صفقة تبادل أسرى، أُطلق فيها سراح 1155 أسيرًا مقابل 3 جنود إسرائيليين.
بعدها ببضعة أشهر، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، في 28 ديسمبر 1987، عقب مقتل 4 فلسطينيين بحادث دهس متعمد من قبل شاحنة يقودها إسرائيلي في محطة وقود.
وفي 10 ديسمبر، اجتمع الشيخ ياسين مع قادة الحركة الإسلامية، وكان منهم: الرنتيسي، وشحادة، واليازوري، والنشّار، وشمعة، ودخان، واتفقوا على تأسيس حركة مقاومة جديدة.
وفي 14 ديسمبر، صدر البيان التأسيسي الأول لحركة "حماس"، التي أعلنت أن فلسطين أرض وقف إسلامية لا تقبل التقسيم أو التفاوض، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد.
في 18 مايو 1989، اعتُقل مجددًا، وحكم عليه بالسجن المؤبد و15 عامًا إضافية، لكنه لم يخضع، ورفض الاعتراف بشركائه، وظلّ داعية حتى داخل السجن.
وفي أكتوبر 1997، أُفرج عنه ضمن صفقة تبادل بعد محاولة اغتيال فاشلة لخالد مشعل في عمّان.
وفي انتفاضة الأقصى عام 2000، عقب اقتحام شارون للمسجد الأقصى واستشهاد الطفل محمد الدرة، أصبحت المقاومة أكثر شراسة، وصنعت كتائب القسام أول صاروخ لها.
ومن أقواله:
"نحن لا نعادي أحدًا في وطننا العربي أو عالمنا الإسلامي، ولا نتدخل في شؤون الدول، من ساعدنا شكرناه، ومن لم يساعدنا عذرناه، ومن أساء إلينا لا نبادله الإساءة بالإساءة".
تعرّض لمحاولتي اغتيال فاشلتين عام 2002 و2003، وفي العام الأخير أدرجته الولايات المتحدة في قوائم "الإرهاب".
وفي فجر 22 مارس 2004، ارتقى الشيخ أحمد ياسين شهيدًا بعد خروجه من المسجد، عن عمر ناهز 68 عامًا، واستُشهد معه 7 من مرافقيه، وأُصيب اثنان من أبنائه.
رحم الله شيخ شيوخ المقاومة، وأسكنه فسيح جناته.