عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
أحمد زكي.. الإمبراطور الذي لم يمت
تقرير
المراية
شمس ابوغنيمة
3/27/20251 دقيقة قراءة


في عالم الفن، هناك نجوم يرحلون، لكن تظل أعمالهم حاضرة، وأسماء تُذكر رغم غيابها. أحمد زكي ليس مجرد اسم في سجل السينما المصرية، بل هو حالة استثنائية، ممثل لم يكن يشبه أحدًا، ولم يتمكن أحد من تكراره. عاش حياته بين الفن والمعاناة، بين النجاح والوحدة، بين الشهرة والانكسارات التي لم تظهر على الشاشة، لكنها كانت تُثقل قلبه خلف الكواليس. واليوم، بعد أكثر من عشرين عامًا على رحيله، لا يزال اسمه يتردد كواحد من أعظم ما أنجبت السينما المصرية. لكن، ماذا عن أحمد زكي الإنسان؟ ماذا عن الأسرار التي لم تظهر على الكاميرا؟
طفل فقير أصبح إمبراطور السينما
لم يكن طريق أحمد زكي مفروشًا بالورود. وُلد في مدينة الزقازيق عام 1949، يتيم الأب، وسط ظروف مادية صعبة. لم يكن طفلًا محبوبًا بسبب ملامحه السمراء، وكان يُقال له إنه لن يصلح يومًا ليكون نجمًا. لكنه كان يحمل بداخله طاقة لا يمكن إخمادها، وحلمًا لا يمكن كسره.
عندما قرر دراسة التمثيل، قوبل بالسخرية، حتى إنه سمع ذات مرة من أحد أساتذته في المعهد: "مش هتعرف تبقى نجم، وجهك مش فوتوجينيك"، لكنه لم يلتفت. لم يكن يبحث عن الأضواء، بل كان يريد أن يصبح ممثلًا حقيقيًّا، وهذا ما حققه بالفعل، حينما وقف لأول مرة أمام الكاميرا، ليغيّر تاريخ السينما المصرية.
النجم الذي كسر قواعد الوسامة
في عصرٍ كانت السينما تُفضّل النجوم أصحاب الملامح الأوروبية، ظهر أحمد زكي بملامحه السمراء، فكان صادمًا لكثيرين، لكنه استطاع أن يقنع الجميع بأن التمثيل ليس مظهرًا، بل موهبة.
لم يكن مجرد ممثل يؤدي أدوارًا، بل كان يعيشها. كان عندما يجسّد شخصية، يتحول إليها بالكامل. في الهروب، لم يكن مجرد مجرم هارب، بل جعل المشاهد يشعر وكأنه يركض معه. في أنا لا أكذب ولكني أتجمل، لم يكن مجرد شاب فقير يخدع الأثرياء، بل كان مرآة للواقع. في أيام السادات، لم يكن يجسّد الرئيس فقط، بل كان السادات نفسه، حتى إن البعض قال إنه لم يكن يمثل، بل كان يُعاد بعث الزعيم من جديد.
أسرار علاقته بسعاد حسني.. الحب الذي لم يُكتب له الظهور
من أكثر الأسرار التي شغلت الجمهور سنواتٍ طويلة، طبيعة العلاقة بين أحمد زكي وسعاد حسني. منذ أن قدّما معًا شفيقة ومتولي، بدأت الشائعات تتردد حول وجود قصة حب بينهما، لكنه لم يتحدث عن الأمر يومًا.
كل ما نعرفه أن أحمد زكي كان يحترمها بشكل استثنائي، وكان أكثر من تأثر برحيلها. في جنازتها، لم يستطع الحديث، فقط كانت عيناه مليئتين بالدموع، وكأنه فقد شخصًا كان يعني له الكثير.
هل كانت هناك قصة حب فعلًا؟ ربما، وربما كانت مجرد علاقة صداقة عميقة، لكنها بلا شك كانت واحدة من أكثر العلاقات الغامضة في حياته.
الأب الذي حُرم من ابنه
رغم نجاحه الكبير في السينما، لم يكن أحمد زكي سعيدًا في حياته الشخصية. انفصل عن زوجته هالة فؤاد، ولم يتمكن من رؤية ابنه هيثم سنواتٍ طويلة بسبب خلافات عائلية، لكنه لم يتوقف عن حبه له.
في لقاء نادر، قال أحمد زكي: "ابني كل حاجة ليا، نفسي أشوفه دايمًا جنبي"، لكن القدر لم يمنحه هذه الفرصة بالكامل. وعندما كبر هيثم، بدأت العلاقة بينهما تتحسن، لكنه لم يستطع تعويض ما فاته من سنوات الفراق. وكأن القدر كتب لهذه العائلة أن تعيش المأساة نفسها مرتين، فقد رحل هيثم مبكرًا، كما رحل والده، تاركًا وراءه القصة ذاتها، قصة الوحدة والموهبة التي لم تُعش طويلًا.
الباشا مات.. لكنه لم يمت
في أيامه الأخيرة، كان أحمد زكي يعرف أن النهاية اقتربت. أصابه السرطان، لكنه قاوم بكل ما يملك. لم يكن يريد أن يراه الجمهور ضعيفًا، وكان يقول: "أنا هموت قريب، بس مش عايز حد يحس إني ضعفت".
حتى عندما كان يُعالج في المستشفى، طلب كاميرا ليكمل تصوير حليم. كان يعلم أنه لن يعيش ليكمل الفيلم، لكنه أراد أن يترك بصمته الأخيرة، حتى لو كان ذلك يعني تقديم مشاهده الأخيرة وهو على فراش المرض.
وفي أحد أيام مارس 2005، أُعلن الخبر الذي لم يكن أحد يريد سماعه: "رحل أحمد زكي".
لكنه لم يرحل حقًّا، أفلامه لا تزال تُشاهد، وجمله تُردد، وطريقته في الأداء تُدرّس. كان استثنائيًّا، وسيظل استثنائيًّا.
نجم لا يغيب
كان يمكن لأحمد زكي أن يكون مجرد نجم آخر، لكنه اختار أن يكون شيئًا أكبر، أن يكون ممثلًا يعيش الأدوار، لا يؤديها فقط.
حتى بعد رحيله، لا يزال النقاد والمخرجون يتحدثون عنه، لا يزال الجمهور يتذكره، ولا تزال أفلامه تحتل قوائم أفضل الأعمال في تاريخ السينما المصرية.
لذلك، عندما نُعيد مشاهدة الهروب أو البيه البواب أو أيام السادات، لا نشاهد مجرد فيلم، بل نعيش مع أسطورة، أسطورة لم يُخلق مثلها من قبل، وربما لن يأتي مثلها أبدًا.
رحل أحمد زكي بجسده، لكنه لم يرحل من قلوبنا، وسيظل الإمبراطور الذي لم يهزمه شيء، حتى الموت.