عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
الموتى يعودون للحياة: هل يفتح الذكاء الاصطناعي طريقًا لا عودة منه
تحقيق استقصائي
عالم الموتى
أحمد عبدالرؤوف ـ محمد أكرم
5/13/2025


الانتقال إلى عالم الموتى، أو نقله إلى حياة الأحياء، كان حلمًا أو دربًا من دروب الجنون إذا سُمعت، وإذا أُثيرت أشعلت حماسة العُجب، ولكنها اليوم أصبحت واقعًا مُعاشًا، أصبحنا نرى أمواتًا يُغَنّون، ويُروّجون للحملات الإعلامية وللمنتجات، من أراد لقاء ميت له، بل ويتحدث معه، أُتيح له ذلك، من أراد أن يجلب عالمًا كاملًا من الموتى إلى حياته، يستخدمه أيما استخدام يُريد، أُتيح له ذلك، وكل ذلك بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، والهولوجرام، وهو ما فتح الجدال من أوسع أبوابه حول مدى كون ذلك التجسيد للموتى حلال أم حرام، ومدى مشروعية ذلك من الناحية الإنسانية، والتعديات على حقوق الملكية الفكرية والجسدية للأموات، كلها مشاكل قد ثارت، وكلها تحتاج إلى أجوبة؛ حتى نفهم ما نحن فيه اليوم!
الصين وبداية اللعنة
الصين هي أول وجهات انتشار هذه الظاهرة عالميًا، حيث أنشأت شركات في هذا المجال -إحياء الموتى- تحت مسمى «الروبوتات الشبح» وهي تكنولوجيا قادرة على إنشاء صور واقعية للمُتوفين، وذلك باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبحسب تقرير نشرته China Morning Post، فإن استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي لإحياء الموتى يحظى بإنتشار واسع في بكين، حيث يُنفق الناس حوالي 700 إلى 1500 دولار أمريكي على الخدمات المعروفة باسم «الروبوتات الشبح»، حيث أكد مؤسس شركة Super Brain للذكاء الاصطناعي (تشانغ زيوي) "أن التكنولوجيا تمكنت من إنشاء صور رمزية أساسية قادرة على محاكاة أنماط التفكير والكلام للمتوفى، حيث تقوم على تقديم 3 أنواع من الخدمة وهم: استنساخ الأصوات، توفير صورة رقمية، إنشاء نموذج بشري ثلاثي الأبعاد.
إثارة هذه القضية في الصين قد لاقت قبولًا كبيرًا بين جموع الشعب الصيني، وهو ما يُبرهن عليه مسارعة الصينين في استخدام هذه التقنيات وصرف مبالغ طائلة على ذلك، ولكن التساؤل الأهم، هل يقبل المجتمع المصري والعربي هذه الظاهرة؟ وما رأي الشرع في ذلك، وما الآثار الجانبية المتوقعة الإنسانية؟ والحقوق الفكرية والقانونية الخاصة بالأموات؟
وجوه راحلة في حملات ترويجية.. معضلة قانونية وأخلاقية
مع استهلال شهر رمضان المبارك لعام 2025، عُرِض على شاشة التلفزيون إعلان حملة ترويجية للبنك الأهلي المصري، شارك فيها نجوم غناء كبار مثل الفنان محمد حماقي ومغني الراب الشهير ويجز، ولكن المفاجأة كانت في ظهور الممثلة الراحلة سعاد حسني إلى جانب الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، وقد أثار ظهور الأخيرَين جدلًا واسعًا حول المعضلة القانونية، وحتى بعد تأكيد البنك أنه اتخذ كافة الإجراءات القانونية لضمان حقوق الورثة، ظل الباب مفتوحًا أمام المعضلة الأخلاقية: هل من حق الورثة استخدام صورة وصوت المشهور الراحل؟ أم أن هذا الحق يقتصر على صاحبه فقط؟
في مقال بعنوان "عندما أموت، من فضلك لا تُنتج نسخة ذكاء اصطناعي مني" للصحفي الأمريكي لانس أولانوف، وهو صحفي متخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، حذّر من المخاطر الجسيمة التي تُحلّق فوق مستقبل يسير بسرعة الانهيار الثلجي، حيث أكد أن استخدام تقنيات الـ Deepfake في إحياء مشاهير ماتوا منذ سنوات طويلة سيصاحبه معضلات قانونية، وأضاف أن أصحاب الشركات والمؤسسات التجارية سيجدون وسيلة -لا محالة- للتهرّب من النصوص القانونية، مستغلين صور الأموات بدلًا من الأحياء، ببساطة لأنهم لن يدفعوا شيئًا.
عبّر أولانوف أيضًا عن مخاوف وصفها بـ"الانزلاق الأخلاقي"، حيث يرى أن استخدام صور الموتى في الإعلانات انتهاك صارخ للحرية الشخصية والكرامة الإنسانية، ونبّه إلى ضرورة أن يتوقف العالم لمناقشة هذه المعضلات الأخلاقية في أسرع وقت ممكن.
من المعضلات الأخلاقية والإنسانية التي حذّر منها علماء النفس ما يُسمى بالارتباط المزيف، وهو ارتباط يحدث بين المتلقي للمادة المزيفة، سواء كان هدفها ترويجيًا أو غير ذلك، وبين شخصية غيّبها الموت، وتقول الدراسات إن الفئة الأكثر تأثرًا ستكون الأطفال، حيث توصل باحثون في جامعة كامبريدج إلى أن تقنية الـ "الديتبوتس" (chatbots التي تحاكي الأموات) قد تُسبب أضرارًا نفسية خطيرة، خاصة للأطفال، وأشاروا إلى أن هذه التكنولوجيا قد تعيق عملية الحزن وتستغل مشاعر الفقد لتحقيق أرباح تجارية، مما يستدعي تنظيمًا أخلاقيًا صارمًا.
أُجريت العديد من الدراسات الأكاديمية على هذه التقنية، لكن جميعها اتفقت على أمر واحد، وهو ضرورة احترام الحرية الشخصية لكل البشر، سواء أحياءً أم أمواتًا. وكما ذكر مارك بارثولوميو، أستاذ القانون بجامعة بوفالو: "نحن بحاجة إلى 'حق في أن يُترك الموتى وشأنهم'، لحماية المتوفين من الإحياء الرقمي غير المصرّح به." فهل نرى تغييرًا قانونيًّا قادمًا؟ أم نشهد مزيدًا من الاستغلال والتقدّم في هذه التقنية؟
أثر نفسي عميق لا يُستهان به
بينما يصف البعض تجربة "إحياء الموتى" باستخدام الذكاء الاصطناعي بأنها "عزاء رقمي" أو وسيلة للتواصل الرمزي مع من فقدوهم، يرى خبراء في علم النفس أنها قد تُحدث اضطرابات نفسية عميقة لدى بعض الأشخاص، وفقًا للدكتور جاستن ليميلر، الباحث في علم النفس الاجتماعي بجامعة كينت، حذّر في إحدى مقالاته من أن "إعادة إحياء الأحبة رقميًا يمكن أن تُعيق عملية التعافي العاطفي، وتُبقي الأفراد في حالة إنكار لفقدانهم"، ويضيف أن الاعتماد على نسخ الذكاء الاصطناعي للأشخاص الراحلين قد يخلق "روابط غير واقعية" تُغذّي الحزن بدل التخفيف منه، خاصة عند من يعانون من اضطرابات القلق أو الاكتئاب، وتؤكد هذه التحذيرات أن التقنية قد تفتح أبوابًا جديدة للصدمة، بدلًا من أن تُسهم في الشفاء، بل قد تؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية لدى الناس.
الأزهر يندد بحرمانية الأمر
في تصريح تلفزيوني عبر برنامج مصر جديدة، صرح الدكتور "علي الأزهري" عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر "أن فكرة الخلود الرقمي والتحدث مع الموتى هو أمر بالغ الخطورة، وأنه تعدي على حُرمانية الموتى وأن للميت حُرمته ولا ينبغي تجسيده بأي حال، وأن إعادة إحياء الموتى بواسطة الذكاء الاصطناعي، هو أمر بالغ الخطورة وحرام شرعًا".
كما أشار علماء كثيرين على رأسهم رئيس جامعة الأزهر إلى ضرورة استخدام التطورات التقنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في أمور تخدم الإنسانية، لا أمور تُذهب العقل وتدمر النفس البشرية، وهو ما يتطابق مع آراء الكثيرين حول أن هذه التطورات، وإعادة إحياء الموتى قد يكون دليلًا على اعتراض الناس على قضاء الله وقدره، وأن ذلك فيه تدمير كبير للنفس البشرية حين ترى ميتًا يتحدث معهم، مما يذهب في اتجاه حرمانية استخدام هذه التقنيات في إعادة التجسيد أو الإحياء.
حدود الذكاء… وخطر تجاوزها
رغم ما تحمله تقنيات الذكاء الاصطناعي من وعود بالتقدّم، إلا أن استخدامها في "إحياء الموتى" يطرح أسئلة أخلاقية وفلسفية مقلقة، فالمسألة لا تتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل بحدود يجب ألا تُتجاوز، فحين تبدأ الآلات في محاكاة الأموات – أصواتهم، ملامحهم، وربما شخصياتهم – نحن لا نُعيدهم فعليًا، بل نُنتج "نسخًا مزيفة" قد تُشوّه الحقيقة وتربك الوعي الجمعي، هناك من يرى أن هذا الدمج القسري بين عالمي الأحياء والموتى قد يؤدي إلى خلط خطير في المفاهيم، ويُمهّد لتشويه العلاقة الطبيعية مع الموت، وربما فتح الباب لانتكاسات أخلاقية ونفسية عميقة، ووفقًا لبعض الخبراء، فإن الاستخدام المفرط أو غير المنضبط لهذه التقنيات قد يُسهم في تخريب البنية الاجتماعية والإنسانية، بتحويل الموت من تجربة إنسانية عميقة إلى منتج رقمي قابل للتعديل. post content