عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
القذافي من منظور علم النفس السياسي: الزعيم الذي رأى نفسه وطنًا
سلسلة تقارير : من كتب علم النفس .. حكايات الطغاة
باروميتر
دنيا عبدالفتاح
5/24/20251 دقيقة قراءة


"إن كانت لكم ذاكرة، فقد استلمت ليبيا وفيها ثلاثة ملايين، والآن فيها ستة ملايين. ومستعد لإعادتها كما استلمتها. سأقتل الملايين الثلاثة التي أنجبتها، سأقتل هؤلاء الأبناء العاقين، لكي يعيش من تبقى ممن أحبني وعاش لأجلي..."
هكذا خاطب معمر القذافي شعبه في 22 فبراير 2011 من أمام منزله بطرابلس. فهل هذه سمات قائد سياسي؟ أم ملامح شخصية سيكوباتية؟
من هو السيكوباتي؟
الشخصية السيكوباتية هي نمط دائم من السلوك يتميّز بالاندفاع، والسلوك العدواني، وعدم الشعور بالندم أو الذنب. يتمتع السيكوباتي بقدرة عالية على الكذب والخداع، ويُظهر عدم مسؤولية واضحة، ويميل لانتهاك حقوق الآخرين، مع عجز شبه تام عن التمييز الأخلاقي بين الصواب والخطأ. كما يتظاهر بحب المجتمع، في حين يكنّ له عداءً دفينًا، ويتصرف في كثير من الأحيان من منطلق نرجسي متضخم.
تحليل الخطاب الأخير للقذافي
وفقًا لتحليل الدكتورة سمر سعيد في كتابها "كيف حكم المرضى النفسيون العالم"، فإن القذافي أظهر في خطابه انطباعين نفسيين دقيقين:
الأول: توحد نفسي مع الجيل المعاصر، وعدم وعيه بالتحولات النفسية والاجتماعية في الجيل الليبي الجديد.
الثاني: اعتقاد ضلالي بأن الثورة كانت مؤامرة خارجية، دون أي مشاركة من أبناء جيله؛ ما يكشف عن انعزاله النفسي، وانفصاله العاطفي عن الواقع الاجتماعي، وعدم قدرته على التواصل مع شعبه، الذي حكمه أربع عقود متتالية، وهي سمات متكررة في الشخصية السيكوباتية.
نزعة التفرد والظهور الاستعراضي
من السمات اللافتة في سلوك معمر القذافي كانت رغبته العارمة في التفرد والبروز بأي شكل. هذا ما تؤكده الدكتورة سمر سعيد في كتابها، مشيرة إلى أن اختياره للملابس الغريبة لم يكن محض ذوق شخصي، بل كان مدفوعًا بحاجة نفسية إلى الشعور بالتميّز.
بلغ هذا السلوك ذروته عندما كان يصرّ دائمًا على الإقامة في خيمته البدوية حتى أثناء زياراته الرسمية، ومنها رحلته الشهيرة إلى الولايات المتحدة، حيث نصب خيمته داخل مجمع سكني بولاية نيوجيرسي، في تحدٍّ للبروتوكولات الدبلوماسية.
صورة ذهنية متضخمة للذات
ومن صور التفرد الأشد غرابة، كانت فرقة الحراسة الخاصة بالقذافي، التي كوّنها بالكامل من فتيات عذارى تحت سن العشرين، وأطلق عليهن جميعًا اسم "عائشة"؛ في إشارة واضحة إلى محاولته تشكيل عالم موازٍ خاص به تتحقق فيه نظرته المتضخمة لذاته.
هذا الاختيار لم يكن مجرد استعراض سلطوي، بل يعكس – وفق خبراء علم النفس السياسي – رغبة في الهيمنة المطلقة، ونزعة سيكوباتية في محو الهويات الفردية للآخرين، واستبدالها بإسقاطات من ذاته.
الدستور الأخضر: حين تصبح الأنا قانونًا
في خطوة غير مسبوقة، ألغى القذافي الدستور الليبي، وأصدر بدلًا منه "الكتاب الأخضر"، الذي وصفه بأنه المرجع الأعلى للنظام الجماهيري.
هذا التصرف يُحلل نفسيًا بوصفه مؤشرًا على النرجسية السيكوباتية؛ حيث تتضخم الأنا إلى درجة تجعل الفرد يرى أن رؤيته الشخصية تصلح كمرجع أوحد، فوق الدساتير، وفوق إرادة الشعوب.
حين يصير المرض نظامًا
ربما لم يكن القذافي مجرد ديكتاتور تقليدي، بل حالة نفسية معقّدة امتدت من دواخله لتعيد تشكيل وطنٍ كامل على صورة اضطراباته. في شخصه، اختلطت السلطة بالهلوسة، والدولة بالرغبة في الهيمنة، والتاريخ بالوهم.
لكن السؤال الأهم الذي يبقى:
هل نحن من نمنح السيكوباتيين السلطة؟ أم أن السلطة هي ما تحوّل البشر العاديين إلى سيكوباتيين؟