عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

"الشرع" رجل الكهف الذي أخرج سوريا إلى النور

مقال

المراية

أحمد عبدالرؤوف

5/17/20251 دقيقة قراءة

بعد سنوات من الظلام الدامس، والعقوبات التي لم تتوقف يومًا؛ "دونالد ترامب" الرئيس الأمريكي يُعلن نية "واشنطن" إلغاء العقوبات على "سوريا"، والتي تُعتبر خطوة عظمية إن نُفذت فعليًا، وأيضًا ستكون بمثابة العصى السحرية التي ستُثبت حُكم الشرع في البلاد، ليكون الشرع هو الرئيس الأول الذي ينجح في إعادة إعمار جسور العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد أن كانت العلاقة بينهما، أشبه بمدينة الأشباح، التي لن ينجو منها أحد.

"الشرع" رجل الكهف

أحمد الشرع الرئيس السوري الحالي، عاش حياته بين الظلام والظلام، لم يخرج يومًا للنور. الرجل الذي ترك دراسة "الطب" بعد عامين فقط، واتجه إلى الانضمام إلى تنظيمات وجماعات لا تعمل إلا في الخفاء، تمتعت رحلة الشرع بكثير من الغموض، بين ترك السعودية طفلًا صغيرًا، والانخراط في الجهاد ضد أمريكا بعد غزوها للعراق شابًا يافعًا، والسجن في معسكر "بوكا"، ثم الخروج مرة أخرى للنضال ضد نظام الأسد بدعم مباشر من "أبو بكر البغدادي" وهو مؤسس داعش فيما بعد لو تعلمون، وأسس الشرع "جبهة النصرة" لتكون جبهة النضال التي لا تتوقف ضد نظام الأسد، واليوم أحمد الشرع الذي عاش حياته في غيابات الكهف وظلامه، رئيسًا معترفًا به للجمهورية السورية، بل وأول من ينجح في إنهاء العقوبات عليها.

"الشرع وترامب" وجهًا لوجه

الرجل الذي حارب ضد أمريكا في العراق وسُجن في معسكراتهم، وأعلنت أمريكا يومًا عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدل على مكانه، اليوم مكانه معلوم، وحديثه مسموع للعالم أجمع، بل في حادثة تُشبه أحلام العصر، وجدنا الشرع وجهًا لوجه مع الرئيس الأمريكي "ترامب"، وخرج ترامب لينهي العقوبات الموقعة على "سوريا" ويُنشد الأناشيد في الشرع "الرجل القوي الشجاع" على حد وصف ترامب له، الأمر الذي حمل خبرًا سعيدًا إلى جموع الشعب السوري، الذي يُهلل اليوم فرحًا بتلك الأخبار، التي تحمل في طياتها طوق النجاة لدولة كادت أن تُمحى عن الخريطة من كثرة الأزمات والصراعات الداخلية والخارجية.

أعداء الأمس حلفاء اليوم

لم يقف الأمر عند "ترامب" ولكن العجب العُجاب أن الوساطة بينه وبين الشرع أتت برعاية عربية تركية خالصة، السعودية، قطر، الإمارات، تلك الدول التي قال عنها الشرع بالأمس إنها أنظمة "كافرة" ويجب الانقلاب عليها، أصبحت هي اليوم طوق النجاة الذي يتشبث به الشرع لقيادة سوريا إلى بر الأمان.

يقف في ذهني كثيرًا تصريحات الشرع حول هذه الأنظمة بين اليوم والأمس، خطاب شُكره للدول العربية ومنها مصر، وبالجانب الآخر أمريكا، أثار في بالي تساؤلات عدة عن كيفية تحول الشرع الرهيب هذا، فلم أجد إلا جوابين: إما أن هذا الرجل يعي جيدًا حجم قدراته الضعيفة، ووهن دولته المُفككة؛ فحاول الاستناد إلى الدول الفاعلة سواء الدول العربية أو أمريكا، حتى يتسنى له بناء دولة قوية ونظام قوي قادر على المواجهة والتعبير الحر عن وجهة النظر فيما بعد، أو أن هذا الرجل قد ساقته المقادير إلى مكان أكبر منه، وهو لا يعي ما وصل إليه، فيُحاول الآن التشبث بأي طوق للنجاة -وهو رأي ضعيف عندي على أي حال.

رجل التوازنات بامتياز

قد يتساءل الكثير من الناس اليوم، أين الشرع الذي شاهدناه يقول كذا وكذا وكذا؟ وأين هو من إسرائيل وتحرير القدس وتلك الوعود التي قطعها على نفسه سابقًا؟

الإجابة بسيطة للغاية، تخيل معي لو أن الشرع تعامل بنظرية القوة والبطش أمام القوى العظمىٰ -والكل قوى عُظمىٰ أمام سوريا الجريحة- عندما وصل إلى الحكم! هل كانت ستُرفع له راية؟ هل كان سيقدر على الوقوف في وجه كل تلك القوى؟ الرجل الذي يحكم دولة تشوبها المخاطر داخليًا وخارجيًا، وتسودها فتنة لا مثيل لها وطائفية بين أبناء الشعب، هل هذا يقدر بتلك الدولة على مواجهة أي دولة أخرى؟ يستحيل الأمر.

اقتصاد مهترئ، علاقات دولية مذبوحة، فتنة داخلية عاصفة، شعب مُفكك مشتت في بقاع الأرض، أنظمة سابقة نهبت كل شيء، حتى قتلت الجذور لا الثمار.

الحقيقة أن سياسة التوازنات التي لعب عليها الشرع غاية في الذكاء، يجب على الرجل اليوم أن يحني رأسه اليوم أمام الرياح الشديدة، حتى يقدر على رفعها غدًا أمام العاصفة العاتية، فحكم الجماعات في الظل، ليس كحُكم الدول في النور.