عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
الشيخ محمد رفعت.. قيثارة السماء التي افتتحت صوت الإذاعة
تقرير.
المراية
منار تامر
5/9/20251 دقيقة قراءة


في التاسع من مايو، تمرّ علينا ذكرى ميلاد ووفاة أحد أعظم قرّاء القرآن الكريم في التاريخ الحديث.. فضيلة الشيخ محمد رفعت، الذي وُلد في مثل هذا اليوم عام 1882، وتوفي فيه عام 1950 عن عمر ناهز 68 عامًا.
هو الصوت الذي ارتقى بالقرآن من التلاوة إلى الخشوع، ومن الأداء إلى الروح، فاستحق أن يُلقّب بـ"كروان الإذاعة" و"الصوت الذهبي" و"قيثارة السماء".
وُلد الشيخ محمد رفعت في حيّ المغربلين بالقاهرة، بحيٍّ شعبي نابض بالحياة، لكنه فقد بصره وهو ابن عامين، ليتذوق منذ الطفولة مرارة الابتلاء، ويُكمل طريقه بنور البصيرة لا البصر ،
أدخله والده كُتّاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز في الخامسة من عمره، فبدأ حفظ القرآن الكريم.
وكان معلمه الأول الشيخ محمد حميدة، وسرعان ما ظهرت موهبته القرآنية الفريدة، فصار يُرشّح لإحياء الليالي وهو لم يُكمل العاشرة.
في التاسعة من عمره، تُوفي والده الذي كان يعمل مأمورًا بقسم الجمالية، فتقلّد الطفل الكفيف عبء إعالة أسرته الصغيرة، متسلّحًا بالقرآن، رفيقًا وصديقًا ودليلًا.
بزوغ نجمٍ قرآنيّ
في الرابعة عشرة من عمره، بدأ يُحيي ليالي التلاوة في القاهرة، إلى أن عُيّن قارئًا للسورة بمسجد فاضل باشا في السيدة زينب سنة 1918، وهو لم يبلغ السادسة عشرة ،
هناك، ارتقى إلى مصافّ كبار القُرّاء، فأصبح مقصد الناس من أنحاء القاهرة، بل من خارجها، للاستماع إلى صوته الذي قيل إنه "يشبه ترتيل الملائكة".
صوت يفتتح عصر الإذاعة
في يوم تاريخي، 31 مايو 1934، افتتحت الإذاعة المصرية لأول مرة بثّها الرسمي، بصوت الشيخ محمد رفعت، بتلاوة مهيبة من سورة الفتح:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ،
وقد استفتى حينها شيخ الأزهر الإمام محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن، فأفتاه بجوازها، ليكون الشيخ رفعت أول من صدح بكلمات الله عبر الأثير، معلنًا دخول القرآن زمن الراديو.
ورغم العروض المغرية، رفض لفترة طويلة تسجيل صوته مقابل المال، مخافة الوقوع في الحرام، حتى أفتى له الإمام المراغي بجواز ذلك، فبدأ تسجيل تلاواته للإذاعة، ولبعض المحطات الأجنبية، منها إذاعة BBC التي أرسل لها سورة مريم.
حياة من الزهد والورع
كان الشيخ محمد رفعت زاهدًا، صوفي النزعة، نقشبندي الطريقة، محبًا للفقراء والبسطاء، لا يخالط أصحاب السلطان إلا للحق،
رفض الذهاب لإحياء ذكرى وفاة الملك فؤاد، وفضّل عليها تلبية دعوة جارته الفقيرة ،
كما خصّص نفقة من ماله لفتاة يتيمة، أوصى والدها برعايتها، فبكى حين بلغ قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} أثناء تلاوته.
قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي:
"إن أردنا أحكام التلاوة فالحصريّ، وإن أردنا حلاوة الصوت فعبدالباسط عبدالصمد، وإن أردنا الخشوع فهو المنشاوي، وإن أردنا النفس الطويل مع العذوبة فمصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت."
المرض والاعتزال والوفاة
في عام 1943، أُصيب بورم في الحنجرة، ظهرت أعراضه في صورة فُواق (زُغطة) متقطعة، جعلت تلاوته تتوقف تدريجيًا.
ورغم ضيق الحال، رفض المساعدات المالية، بما في ذلك اكتتاب شعبي بلغ خمسين ألف جنيه، قائلًا:
"إن قارئ القرآن لا يُهان."
وفي التاسع من مايو عام 1950، الموافق 22 رجب 1369هـ، رحل الشيخ محمد رفعت، بعد حياةٍ عاشها في جوار كتاب الله ،
ودُفن كما تمنى بجوار مسجد السيدة نفيسة، وكان قبل وفاته يذهب كل يوم اثنين إلى هناك يتلو ما تيسّر من آيات الله.
الإرث الخالد
ما زال صوت الشيخ محمد رفعت حيًّا، يتردّد في قلوب "السميعة" وعشّاق التلاوة، وصوته الروحاني يُبثّ في شهر رمضان.
وقد أهدت عائلته تسجيلات نادرة من عام 1934 إلى الهيئة الوطنية للإعلام، أُعيد ترميمها لتُبث لأول مرة، وفاءً لذكراه.
لقد كان الشيخ محمد رفعت "هبة من السماء" كما قال عنه القارئ محمد الصيفي، و"منحة من الأقدار" كما وصفه الإمام المراغي، وهو إلى يومنا هذا، مدرسة مستقلة في التلاوة، واسم لا يُنسى في تاريخ الترتيل.