عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
"السيسي" بعيون ثائرة
مقال
باروميتر
أحمد عبدالرؤوف
5/25/2025


منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية في عام ٢٠١٤، لم يسلم يومًا من النقد والتشكيك، وخصوصًا عندما تصاعدت الموجات والتخبطات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، وعندما ثارت ألسنة النار في سماء قطاع غزة، تلقى السيسي الكثير من النقد والتشكيك، والآن دعونا نرى السيسي بعيون ثائرة!
سياسة مالية مُحيرة
منذ تولي الرئيس السيسي السُّلطة، اتبع سياسات مالية أراها صعبة للغاية، وهي الاعتماد بالمقام الأول على الاقتراض الخارجي، وهو ما أثقل عاتق الشعب المصري بكثير من الأمور الصعبة التي تدهورت بعض ظروفه المعيشية، وخصوصًا تعويم الجنيه المصري الذي جاء استجابة لقرارات صندوق النقد، وهو ما كان حملًا ثقيلًا على عاتق فئات واسعة من الشعب المصري!
بنية تحتية ومشروعات قومية "مُتفجرة"
رغم السياسة المالية والنقدية المتعثرة، إلا أن حجم البُنى التحتية والمشروعات القومية التي تم إنجازها في عهد الرئيس السيسي رهيب بكل معنى الكلمة، وهو الرئيس الأكثر إنفاقًا على البُنى التحتية في كل العصور المصرية، وهو ما يُثير الحيرة، بين سياسة الاقتراض المتخبِّطة، وبناء دولة تحتاج إلى البناء!
"غزة" بين خذلان وانتصار
منذ هجمات السابع من أكتوبر من العام الماضي، لم تتوقف أصابع الاتهام عن التوجه نحو الدولة المصرية وعلى رأسها رئيس الجمهورية؛ وأن مصر وجيشها قد قرروا التخلي عن القضية وعن مناصرتها! والحقيقة أن الموقف يبدو كذلك لوهلات كثيرة؛ موقف ركيك، بيانات لا جدوى منها، معبر سقطت عنه القوة المصرية، قرارات القاهرة لم تتخذ نفس الموقف القوي كما كانت دومًا، وهو ما يُفسر حالة الغضب العارم داخليًا وخارجيًا تجاه الرئيس وتجاه الجيش وتجاه كل مؤسسات الدولة، والحقيقة أن الشعب حُق له الغضب.
وفي نفس السياق، كانت القاهرة الرافض الوحيد والمانع الأقوى تجاه خطة التهجير - لأنها تعني نهاية القضية -، وكانت مصر هي الداعم الأكبر للمساعدات التي تدخل القطاع، وكانت مصر هي أول من يقف صراحة أمام الجميع لتُعلن أن أي تطبيع مع إسرائيل، دون إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، فلن يكون حلًا ولا سلمًا، لتتضح نية القاهرة، أننا متفقون على السلام وعدم الحرب، ولكننا أبدًا ما كنا مُطبعين، وأن شعبنا وجيشنا يعلم جيدًا من هو عدوه الحقيقي.
وعود هشة في دولة أكثر هشاشة
لعل أبرز النقاط المأخوذة على الرئيس السيسي هي الوعود التي ما لبثت أن ماتت، منذ الجلوس على كرسي الرئاسة حمل السيسي عصا التقدم والرفاهية والنعيم أمام أعين الشعب، والشعب في حد ذاته قادم من أكثر من 30 عامًا من الظلام.
حمل السيسي مشعل النور بيديه، ولكن سرعان ما تبدلت الأوضاع، وتصعبت الأمور أمامه، لعل ذلك يرجع إلى أن مفاصل الدولة تحتاج إلى التجديد والتغيير من الأساس! أو بسبب أن الدولة التي لم يُهتم يومًا ببنيتها التحتية قد آن الأوان إلى إعادة بنائها، أمور وأمور، كلام وكلام، فوقع السيسي بين علو العشم والوعود اللامعة، وصدمة الواقع وعدم القدرة على القيام بما قال!
موقف شجاع بين عرب قد ماتت ضمائرهم
لن أنسى له موقفه في القمم العربية الأخيرة، أو قل "في القمم غير العربية" بعدما خذلت الدول العربية غزة، وحتى سياسة البيانات والرفض والتنديد قد ماتت من خطاباتهم، الإمارات تنعي من ماتوا في سفارة إسرائيلية، وتنسى من ماتوا دفاعًا عن بلاد الإسلام، السعودية، قطر، البحرين، الأردن، الكل باع ودفع الثمن، أو باع وقبض الثمن، في كل الأحوال قد باع!
ولكن السيسي لا أنسى له موقفه، ولا أنسى له أنه قال لأمريكا لا، ولا أنسى له أنه قال لإسرائيل لا، ولا أنسى له أنه ندد بما يحدث في غزة، في عز صمت عربي خالص، وكأنه صمت الأموات، بل وكأنه صمت من ماتوا وهم أحياء!
أنا معك في الرأي الآخر، وأعلم تمام العلم أن موقف مصر يجب أن يكون أقوى من الذي نرى، فمصر هي القائد ومصر هي السلاح، ولكن الأمر يحتاج هو الآخر إلى سياسة حنكاء، وعقل مُدبِّر في هدوء، الصدام مع إسرائيل ليس إلا كما تصدم العربة ذبابة في الطريق، أو كما تصدم الطائرة عصفورًا في الجو، هكذا هو حال الصدام إذا ما قررت مصر أن تزيل إسرائيل عن خارطة الشرق الأوسط، ولكن القدرات الاقتصادية المتخبطة (والتي بالمناسبة جزء كبير منها يعود إلى قرارات السيسي في حد ذاته) جعلت من مصر رجلًا قويًا شجاعًا، ولكنه لن يصمد أمام جيش كامل من الرجال الأقوياء!
كما أن العرب لن يعطوا مصر الدعم المالي والعسكري والنفطي الكامل حتى يتثنى لها الوقوف في وجه أعدائها، بل الأشد عجبًا، أن القواعد الأمريكية من داخل البلدان العربية، ستصل إليك صواريخها قبل أن يصلك دعم حكامهم!
بين أمل ورجاء
هذه البلد التي ماتت بها الخطابات المختلفة المتضاربة، ومات فيها الرأي والرأي الآخر، واتبعنا نظام القمع، وقصر وجهات النظر على فئات محددة، غالبًا ما تكون فئات فساد ودمار لا إصلاح.
فأنا أرجو أن تسمح البلد للحريات أن تتحدث، وأن يُؤخذ كل رأي الشباب على محمل الجد، فلن يبني رئيس، أيًّا كان، دولة قوية بغير شباب قوي، مثقف، ويثق في نفسه ويحب بلده، أما أن تُحوَّل البلد إلى مكان يسعى كل الشباب أن يفر منه، فلن يبني دولة، ولا حتى شبه دولة، ولا حتى عزبة!
أرجو من الله أن يقود هذه البلد إلى بر الأمان، وألا يكون مصيرها الضعف والهوان، وأن تعود مصر كما كانت، بلد القوة، العزة، والإسلام، والسد المنيع، والصوت المسموع، والقائد الذي لا تُعصى أوامره.