عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

الطاهر أحمد مكي.. رحيل هادئ لرجل صاخب بالفكر

تقرير

المراية

نورهان عادل

4/5/20251 دقيقة قراءة

في مثل هذا اليوم، الخامس من أبريل عام 2017، أُسدِل الستار على حياة أحد أهم أعمدة الأدب العربي المعاصر، د. الطاهر أحمد مكي، لكنّ صوته لا يزال حاضرًا في كل صفحة كتبها، وكل فكرة صاغها بلغة راقية، واضحة، وعميقة.

وُلد الطاهر مكي عام 1924 في قرية "الأعلام" بمركز إسنا، محافظة الأقصر، في جنوب مصر، لكنّ رحلته الفكرية والثقافية عبَرت الجغرافيا لتصل إلى الأندلس، وتستوطن جامعات إسبانيا، وتعود لتُعيد للأدب العربي صوته الكلاسيكي المفقود.

من الأقصر إلى مدريد.. ومن الأزهر إلى الأندلس

تخرّج مكي في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، لكنه لم يكتفِ بالدراسة التقليدية، فشدّ الرحال إلى مدريد ليحصل على دكتوراه في الأدب والفلسفة، متخصّصًا في الأدب الأندلسي، وهو المجال الذي أصبح لاحقًا علامة بارزة فيه.

كان من أوائل من أعادوا الاعتبار للأدب الأندلسي، لا بوصفه جزءًا من التاريخ فقط، بل باعتباره امتدادًا للهُوية الثقافية العربية، ومرآةً لصراع طويل بين النفي والانتماء، النور والظلمة، الشعر والسيف.

المعلّم الذي لم يبحث عن الأضواء

لم يكن د. الطاهر مكي من الذين يبحثون عن الكاميرات أو يتصدّرون الصفوف الأمامية في الندوات.

كان حضوره طاغيًا في القاعات الجامعية وفي صفحات كتبه، حيث درّس في كلية دار العلوم، وخرّج أجيالًا من الباحثين الذين ساروا على خُطاه.

أعماله لم تكن مجرد أبحاث جامدة، بل امتزج فيها الحسّ الأدبي مع الدقّة العلمية.

من أبرز مؤلفاته:

الأدب الأندلسي من منظور إسباني

امرؤ القيس: حياته وشعره

دراسة في مصادر الأدب

ترجمته الشهيرة لـ"ملحمة السيّد" الإسبانية

كان يرى أن الترجمة ليست نقل كلمات، بل بناء جسر ثقافي وفكري، ولذلك كانت ترجماته وفيةً للمعنى، ومفعمةً بروح النص الأصلي، من دون أن تفقد لغتها العربية أناقتها.

لم يكن يُترجم بدافع الإعجاب بالغرب، بل بدافع استنهاض الذات: أن يعرف القارئ العربي كيف يقرأ العالم بلغته.

لماذا لا يزال حاضرًا؟

كل كتابٍ له هو "صوت" يعلو من زمن بعيد، يُذكّرنا بأننا كنّا في يوم من الأيام نُبدع، نُترجم، ونؤثّر.

في زمنٍ يُستهلك فيه الأدب كوجبة سريعة، يظلّ الطاهر مكي مثالًا على المثقف العميق، المنغمس في مشروعه، والمؤمن بأنّ الكلمة تستطيع أن تُعيد تشكيل وعي أُمّة.

في ذكراه، قد لا يملأ اسمه محركات البحث،

لكن في عقول من قرأوه، وقلوب من تتلمذوا على كتبه،

هو حيّ، لا يُنسى.