عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
"أنس الشريف".. صوت غزة الذي لا يخمد
تقرير
المراية
شهد عبدالفتاح ـ أحمد عبدالرؤوف
4/4/20251 دقيقة قراءة


في عالم الصحافة، دومًا ما تكون الكلمات هي السلاح الذي يُعبّر به الناس عن الأحداث، بل قد تكون الكلمات هي السلاح الذي يقف في وجه الظُلم والطغيان. وفي ثنايا الحرب "الإسرائيلية" على قطاع "غزة"، ظهر لنا نموذج للصحفي الذي جسَّد أسمى معاني وأهداف الصحافة، وقدَّم المثال الحيّ على أن "الكلمات أقوى من الرصاص"، وهو الصحفي "أنس الشريف" ابن مخيم جباليا، الذي يُجسِّد أسمى صور الصحافة وأعلى مراتب التضحية بالنفس في سبيل إظهار الحق أمام أعين العالم. كانت "الكلمة" هي السلاح الذي دافع به أنس دفاع المستميت عن وطنه، وترك منزله وأسرته وكل ما يملك نصرةً لوطنه وأبناء جلدته، حتى مع استشهاد والده جراء القصف، وتدمير منزله؛ لم يُعجزه ذلك عن أداء وظيفته الإنسانية والوطنية، وظل صامدًا منذ بداية العدوان وحتى يومنا هذا.
أنس بين نيران الحرب
وُلد أنس في وطنٍ منكوب يعاني من الظلم، ومسلوب الحق منذ سنوات طويلة، وهو ما كان له أثر كبير في تكوين شخصيته. فقد وُلد في شمال قطاع غزة، وتلقى تعليمه في مدارس وكالة "الأونروا"، وهي وكالة تُقدّم الإغاثة الإنسانية وتحمي اللاجئين الفلسطينيين.
لم تكن الحرب على غزة التي بدأت في أكتوبر 2023 هي الأولى التي صمد فيها أنس أمام العدوان، وإن كانت الأعنف. فقد غطى أنس الاعتداءات السابقة التي شنها الاحتلال على القطاع، وأُصيب من قبل بشظية عيار ناري في البطن خلال تغطيته لمسيرة نُظّمت شرق تلة أبو صفية شمال شرقي جباليا. بدأ عمله كمتطوع في شبكة الشمال الإعلامية، ثم انتقل للعمل مراسلًا لقناة "الجزيرة"، بعد تخرجه من كلية الإعلام، قسم الإذاعة والتلفزيون - جامعة الأقصى.
تحولت حسابات أنس الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أرشيف موثَّق لما يرتكبه الاحتلال من تقتيل وتدمير وتجويع لأهالي غزة، خاصةً حسابه على منصة "إكس"، حيث نقل بالصوت والصورة كل صغيرة وكبيرة تحدث في غزة. هذا ما جعله في صدام مباشر مع الاحتلال؛ إذ تعرض للتهديد أكثر من مرة من قبل قوات الاحتلال، وحدثت بينه وبين المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي" مشاحنات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اتهمه أدرعي بالانتماء لحركة حماس، الجناح العسكري. كتب أفيخاي على حسابه في "إكس" مخاطبًا أنس الشريف: "قد تحاول تقديم نفسك كصحفي يتألم لأوجاع أهل غزة، لكن الجميع الآن يعلم أنك حمساوي الانتماء والوظيفة". شنّ أفيخاي هجومًا كبيرًا على أنس في منشوراته، لكن أنس تجاهله، وركز اهتمامه على تغطية ما يحدث في وطنه، وخدمة أبناء شعبه، غير مبالٍ بالتهديدات.
وبعد إعلان الهدنة، لم يمنح أنس نفسه هدنة، بل استمر في ممارسة عمله وتغطية عمليات تبادل الأسرى، حتى إنه كان بين المقاومة وفي الصفوف الأولى وقت عملية التسليم.
حصد أرواح الصحفيين
منذ يومها الأول، حصدت الحرب آلاف الأرواح من الأطفال والنساء والرجال، ومن بينهم كثير من الصحفيين الذين استهدفهم الاحتلال أثناء تأدية مهامهم. ووفقًا لما ذكرته لجنة حماية الصحفيين، ومنذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 108 صحفيين، وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام. كما كُشف عن حالات متعددة من الهجمات والتهديدات والرقابة واستهداف أفراد أسرهم. وتؤكد المنظمة أن الصحفيين في غزة يواجهون مخاطر جسيمة؛ إذ يُجبرون على تغطية الصراع في ظل هجوم بري على مدينة غزة، وغارات جوية مدمّرة، وانقطاع الاتصالات والتيار الكهربائي على نطاق واسع.
كان من بين الصحفيين الذين استهدفهم الاحتلال:
سامر أبو دقة، مصور شبكة الجزيرة الإعلامية، قُتل في قصف إسرائيلي على مدرسة في خان يونس يوم 15 ديسمبر 2023.
وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، أُصيب في القصف نفسه.
حمزة الدحدوح، ابن وائل، استُشهد مع زميله مصطفى ثريا في غارة إسرائيلية على سيارتهما في 7 يناير 2024.
إسماعيل الغول، استُشهد في 31 يوليو 2024.
حسام شبات، آخر من استُهدف من الصحفيين في 24 مارس 2025.
غطى أنس الشريف كل جرائم الاحتلال بحق الصحفيين في القطاع، ونقل الصورة بوضوح، ووقف صامدًا يُودّع أصدقاءه، وشهد جنازاتهم، ولم يتوقف عن نعيهم عبر حساباته. ولا يزال أنس الشريف يؤدي واجبه الصحفي والإنساني، باعتباره أحد أبناء هذا الشعب المظلوم، غير مبالٍ بما إذا كانت الحرب ستحصد روحه أم لا. وقد قالها أنس الشريف ذات مرة: "أنا صاحب قضية قبل أن أكون صحفيًا".
"أنس".. صوت غزة الأعلى
مع عودة الهجوم البري على قطاع غزة، واستهداف الاحتلال لكل الصحفيين والبُنى التحتية التي تنقل ما يدور داخل القطاع، أصبح أنس الشريف الذي ظل صامدًا حتى اليوم هو المتنفس الوحيد لأهل غزة، لإيصال صوتهم إلى العالم. حتى هذه اللحظة، ينقل أنس كل ما يدور داخل القطاع -على قدر استطاعته-، ولم يتوقف لحظة عن إظهار الوجه البشع للاحتلال منذ انتهاء الهدنة، مما جعله رمزًا وصوتًا لكل من قُتل داخل القطاع.
أنس اليوم هو صوت كل طفل فقدته أمه، وصوت كل أم فقدت طفلها أو زوجها.
أنس اليوم هو صوت غزة الذي لا ينطفئ، رغم محاولات تقييد النشر عنه وتعطيل حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.