عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
أربعة أعوام على رحيل سمير غانم... الضاحك الذي حوَّل الكوميديا إلى فلسفة
تقرير
المراية
منى حامد
5/21/20251 دقيقة قراءة


رسالة من ابنة إلى أبٍ لم يغِب
في ذكرى رحيل والدها الرابعة، شاركت الفنانة دنيا سمير غانم هذه اللحظة المؤثرة برسالة حميمة، نشرتها على حسابها الرسمي في "إنستغرام"، عبّرت فيها عن عمق اشتياقها لوالدها الذي غيّبه الموت، لكنه لم يغادر قلبها ولا ذاكرة محبيه.
وقد طلبت من جمهورها الدعاء له، وكتبت:
"اللّهم ارحم أبي، واغفر له، اللّهم لا تجعل لأبي ذنباً إلا غفرته، ولا خطيئة إلا تجاوزت عنها، ولا دعوة رُفعت لأجله إلا قبلتها برحمتك، واجعل الجنّة داره ومستقرّه، يا أرحم الراحمين."
رسالة تختصر الحب، والوفاء، والاستمرار في حمل إرث الضحك والحنان الذي زرعه سمير غانم في قلب عائلته.
ضحكة لا تغيب
في صمتٍ يليق بالكبار، رحل سمير غانم عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2021، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا لا يُقاس بعدد الأعمال، بل بمدى حب الناس له.
لم يكن مجرد نجم شاشة أو خشبة، بل كان "كائنًا كوميديًا" نادرًا، يعيش الضحك لا يمثّله، ويحوّله إلى وسيلة لمداواة الوجع الشعبي، لا مجرد وسيلة للترفيه.
واليوم، بعد مرور أربعة أعوام على رحيله، لا تزال ضحكته تسكن البيوت، وتُعرض أعماله على الشاشات، وتُستعاد كلماته في جلسات الحنين، ويظل السؤال قائمًا:
كيف استطاع هذا الرجل أن يصنع كل هذا الحب؟
من عرب الأطاولة إلى قلوب الملايين
وُلد سمير يوسف غانم في 15 يناير 1937 في قرية عرب الأطاولة بمحافظة أسيوط، وتنقّل خلال طفولته بين عدة مدن بسبب عمل والده كضابط شرطة.
التحق في البداية بكلية الشرطة لكنه لم يُكمل دراسته فيها، لينتقل إلى كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، وهناك بدأت رحلته الحقيقية مع الفن من خلال مشاركته في الفرق المسرحية الجامعية، حيث اكتشف الجمهور لأول مرة "الولد اللي يضحك من غير ما يتكلم".
البداية الذهبية: ثلاثي أضواء المسرح
في أواخر الستينات، التقى بالضيف أحمد وجورج سيدهم، وكونوا معًا فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" التي قدّمت عروضًا مسرحية وغنائية كوميدية ذات طابع نقدي وساخر.
من أبرز عروضهم:
طبيخ الملايكة: نقد للإقطاع بأسلوب فانتازي ساخر
براغيت: محاكاة ساخرة للبيروقراطية المصرية
حواديت: تفكيك للأساطير الشعبية والمفاهيم المغلوطة
استمر الثلاثي في نجاح باهر حتى وفاة الضيف أحمد المفاجئة عام 1970، فاستمر سمير وجورج كثنائي لسنوات قبل أن ينطلق كل منهما في مساره.
نجم على خشبة المسرح
بعد انفصاله عن جورج سيدهم، أكمل سمير غانم طريقه منفردًا، ونجح في إثبات أنه ليس مجرد جزء من منظومة جماعية، بل نجم بحد ذاته.
قدّم عدة مسرحيات ناجحة، منها:
المتزوجون (1973): واحدة من أبرز أعماله المسرحية التي تناولت تعقيدات الزواج والطبقات الاجتماعية بلغة ساخرة
أخويا هايص وأنا لايص: مزجت بين الكوميديا الارتجالية والطرح الفلسفي البسيط
امتاز أسلوبه في المسرح بالبساطة المدهشة والقدرة على تحويل الحوار العادي إلى لحظة ضحك لا تُنسى.
ميزو وفطوطة: أبطال في الذاكرة
في عام 1977، قدّم شخصية "ميزو" في المسلسل الشهير حكاية ميزو، حيث لعب دور الشاب الفوضوي عديم المسؤولية، وأبدع في تقديم كوميديا الموقف بعفوية نادرة.
ثم في الثمانينات، حوّل شخصية "فطوطة" من مجرد شخصية فوازير إلى رمز للبهجة الطفولية، بملامحه المميزة وصوته الرفيع وملابسه الخضراء، واستمر ظهوره في فوازير رمضان لعدة سنوات، راسخًا في ذاكرة الأطفال الذين أصبحوا اليوم آباءً لا يزالون يضحكون حين يسمعون اسم "فطوطة".
رغم أنه لم يسعَ إلى أدوار البطولة المطلقة، إلا أن حضوره الطاغي كان يخطف الأضواء حتى في الأدوار الثانوية.
كان دائمًا ما يختار أدواره بعناية، ويقدّم الشخصية العادية بإيقاع غير عادي.
قصة حب... وفقد مزدوج
تزوج سمير غانم من الفنانة دلال عبد العزيز، بعد علاقة حب نشأت خلال تعاونهما الفني في مسرحية "أهلاً يا دكتور".
أنجبا ابنتين:
دنيا: ممثلة ومغنية، وتُعد من أبرز نجمات جيلها
إيمي: ممثلة كوميدية ورثت خفة دم والدها
في أبريل 2021، أُصيب الزوجان بفيروس كورونا، وتوفي سمير في 20 مايو 2021، ثم لحقت به دلال في 7 أغسطس 2021، فكان الوداع مزدوجًا ومؤلمًا.
فلسفة الكوميديا: الضحك بذكاء وشفافية
لم يكن سمير غانم يعتمد على الصراخ أو التهريج، بل على إيقاع ذكي، ولغة جسد دقيقة، وسخرية ناعمة.
كان قادرًا على تحويل العادي إلى كوميدي، والمأساوي إلى خفيف، دون أن يُسقِط المعنى أو يحوّل الضحك إلى هروب.
لذلك ظل فنه حيًّا، لأنه لم يضحك على الناس، بل ضحك معهم... ومعهم فقط.
وفي زمن أصبحت فيه الكوميديا صاخبة ومتعجلة، تبقى أعمال سمير غانم دروسًا في الضحك المحترم، وفي أن الفن الحقيقي لا يشيخ، بل يتحوّل إلى ذاكرة جمعية.
أربعة أعوام مرّت، لكن "فطوطة" لا يزال يجري، و"ميزو" لا يزال يعاند الحياة بطريقته، وسمير لا يزال يضحك... من بعيد، بابتسامته الواسعة التي نحتاجها أكثر من أي وقت مضى.