عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
أسامة أنور عكاشة.. دراما خالدة عبر الأجيال
تقرير
باروميتر
نورهان عادل
1 دقيقة قراءة


26/3/2025
الحلمية ليست مجرد حي، وزيزينيا ليست مجرد قصة، وأرابيسك ليس مجرد فن، بل هي شوارع العقل المصري التي خطّها أسامة أنور عكاشة بقلمه، وحوّلها إلى مرآة تعكس صراعاتنا، أحلامنا، وانكساراتنا.
في أحد أزقة طنطا عام 1941، وُلد طفل لا يعرف أنه سيغيّر وجه الدراما العربية. لم يكن يعلم أن حكايات الجدة، ونقاشات الكبار، والوجوه التي يراها كل يوم، ستصبح فيما بعد أبطال أعماله الدرامية. لم يدرس الكتابة، بل درس علم النفس والاجتماع، لكنه أدرك أن البشر هم أفضل الكتب، فاختار أن يكون الراوي الذي يحكي قصتهم.
رجل يعيد تعريف الدراما
في السبعينيات، بدأ شاب ثلاثيني مغامر اسمه أسامة أنور عكاشة يقتحم عالم الدراما. لم يكن يبحث عن الإثارة، ولا عن الحبكات السطحية، بل كان يبحث عن الحقيقة في حياة الناس؛ فجاء الشهد والدموع ليحكي عن صراع الطبقات، ثم ليالي الحلمية ليحفر في ذاكرة الوطن، ثم أرابيسك ليُعيد تعريف معنى الهُوية.
عكاشة لم يكن مجرد كاتب، بل كان معماريًا يُعيد بناء الوعي المصري، مشهدًا بعد مشهد، وحوارًا بعد حوار، لم تكن شخصياته مجرد أبطال دراما، بل كانت مرايا تعكس واقعًا يعيشه الناس. كانت أحياء مسلسلاته نابضة بالحياة، وشخصياته تنبض بالإنسانية والتناقضات التي تجعلها أكثر واقعية.
الثورة في السطور
لم يكن أسامة أنور عكاشة يومًا كاتبًا محايدًا؛ كان يرى الفساد في كل زاوية، ويرفض التطبيع مع العدو، ويكتب عن الطبقات المهمشة وكأنها أبطال الرواية الحقيقية.
لم يخشَ السلطة، ولم يتنازل عن قناعاته، حتى عندما اصطدم مع النظام السياسي كان يعرف أن الكتابة مسؤولية، وأن الدراما ليست مجرد تسلية، بل أداة تغيير.
الإسكندراني.. حينما يأتي العمل في غير زمانه
في عام 2024، وبعد أكثر من عقد على رحيل أسامة أنور عكاشة، ظهر مسلسل الإسكندراني، وهو نص كان قد كتبه في السبعينيات لكنه لم يُنفَّذ وقتها، بدا أن العمل قد جاء متأخرًا جدًا عن زمنه، حيث لم يُحقق الصدى المتوقع، ولم يترك الأثر الذي عُرف عن أعماله السابقة.
ربما لو عُرض الإسكندراني وقت كتابته، لكان أحد المحطات المهمة في الدراما المصرية، لكنه جاء في وقت تغيرت فيه السياقات الاجتماعية والسياسية، وتغيرت معه اهتمامات الجمهور، المواضيع التي كانت تثير الجدل في الماضي ربما لم تعد تملك نفس القوة اليوم، فالعالم الذي كتب عنه عكاشة لم يعد هو العالم الذي نعيشه الآن.
وإذا نظرنا إلى أعمال عكاشة التي عُرضت في حياته، مثل ليالي الحلمية والشهد والدموع وأرابيسك، نجد أنها كانت محطات فاصلة في الدراما المصرية. ارتبطت هذه المسلسلات بوجدان المشاهدين، لأنها عبّرت عن واقعهم بشكل صادق .
أما الأعمال التي ظهرت بعد رحيله مثل موجة حارة (2013) وراجعين يا هوى (2022)، فقد حققت نجاحًا مبهراً، ربما لأن بعض النصوص خضعت لتعديلات لمواكبة العصر، أو لأن أسلوب السرد الذي كان يُبهر المشاهدين في الماضي لم يعد يحمل نفس التأثير لجيل اليوم.
وما حدث مع الإسكندراني يثبت أن الدراما ابنة زمنها، يمكن أن يكون النص رائعًا، لكن إذا لم يُعرض في سياقه الصحيح، قد يفقد بريقه وتأثيره.
رحيل الجسد، وبقاء الحكاية
في 28 مايو 2010، أسدل القدر الستار على حياة الراوي العظيم، لكن لم يستطع إغلاق كتابه. ما زالت شوارع ليالي الحلمية تعجّ بالحياة، وما زال زيزينيا يسأل عن هويته، وما زالت الراية البيضاء ترفرف في وجه الفهلوة.