عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
"عسل أسود".. عندما يتحول الفيلم إلى كوميديا ساخرة وملصقات "واتساب"
مقال
المراية
ميادة عيسى
5/20/20251 دقيقة قراءة


كان فيلم "عسل أسود"، بطولة أحمد حلمي، كقنبلة كوميدية تفجَّرت في الواقع المصري؛ لكن من كان يتخيل أن هذا الفيلم سيتحول من مجرد قصة عن مصري يرغب في العودة إلى بلده، إلى مصنع ترندات وملصقات "واتساب"، وأن أغنية "بالورقة والقلم" تصبح النشيد الرسمي لكل مصيبة على وسائل التواصل الاجتماعي؟
مصري سيد العربي: الرجل الذي يرى الجميع أنفسهم فيه
يحكي الفيلم عن مصري سيد العربي، الذي هاجر مع والده إلى أمريكا وهو طفل صغير، ثم عاد إلى مصر بعد 20 عامًا وهو يتخيل أنها جنة الأرض. لكن بدلاً من الجنة، وجد واقعًا مليئًا بالمعاناة: (ازدحام، ومحتالون، وبيروقراطية، ومعاملة سيئة)؛ لأنه يحمل جواز سفرًا مصريًا.
هذه المواقف، بكل صراحة، كانت مثل مرآة عكست الواقع المصري بطريقة كوميدية لكنها مؤلمة. وهذا هو بالضبط ما جعل مقاطع الفيلم تنتشر على مواقع التواصل كالنار في الهشيم.
على سبيل المثال، مشهد أحمد حلمي وهو يحاول استخراج بطاقة رقم قومي مع سعيد (إدوارد)، ويضيعان وسط الروتين والرشاوى، أصبح رمزًا لكل شخص يذهب لتجديد بطاقة أو استخراج ورقة من مصلحة حكومية. بدأ الناس في استخدام هذا المشهد في فيديوهات مع تعليقات مثل: "تدفع رشا ولا تقف في آخر الصف" أو "الروتين المصري في أبهى صوره".
وبالطبع، أصبح المشهد ملصق "واتساب" يُستخدم عندما يحكي أحدهم عن يوم مليء بالتعب، والدوران في الدوائر الحكومية.
ملصقات "واتساب"
إذا فتحت أي مجموعة على "واتساب" الآن، ستجد ملصقات مستوحاة من "عسل أسود" تُرسل بكثرة. مثلًا، صورة أحمد حلمي وهو يقف في المطار مذهولًا من الازدحام، مع تعليق مثل "لما ترجع من الغربة وتفتكر إنك في مصر".
حتى مشهد اللواء (أحمد راتب) وهو يطلب من "مصري" أن يهدد العساكر في الميكروفون لكي يخافوا من جوازه الأمريكي، أصبح تريندًا على تيك توك. الناس يستخدمون هذا المقطع في فيديوهات تسخر من فكرة "المعاملة الخاصة" للأجانب في مصر، مع تعليقات مثل: "لما تكون أجنبي في مصر VS لما تكون مصري".
وبالطبع، تحوّل هذا المشهد إلى ملصق "واتساب" يُرسل في المجموعات عندما يحكي أحدهم عن موقف تعرض فيه للظلم لأنه "من البلد".
"عسل أسود" يغزو الميمز
لم يكتفِ فيلم "عسل أسود" بملصقات "واتساب"، بل غزا عالم "الميمز" بقوة. مشهد مصري سيد العربي وهو يحاول فهم لماذا يدفع أضعاف الحساب في الفندق بسبب جوازه المصري تحول إلى ميم شهير بعنوان "لما تكتشف إن الجنسية تحدد الفاتورة".
هذه الميمز أصبحت وسيلة للجمهور للسخرية من تفاوت المعاملة بين المصريين والأجانب، مع تعليقات مثل "جوازك مصري؟ جهز جيبك!".
"راضي" سائق الميكروباص: بطل النصب الكوميدي
شخصية راضي (لطفي لبيب)، سائق الميكروباص الذي نصب على مصري مستغلاً جهله بأسعار الدولار، أصبح رمزًا لـ"النصب الودود" في فيديوهات السوشيال ميديا.
مقطع راضي وهو يبتسم بمكر ويقنع مصري بدفع مبلغ خيالي تحول إلى تريند يُستخدم في فيديوهات بعنوان "لما صاحبك يحسبلك الفاتورة على طريقته".
تضيف الناس تعليقات مثل "راضي موجود في كل حارة!"؛ للسخرية من المواقف اليومية التي يتعرضون فيها للاستغلال.
"القبقاب" يتحول إلى أيقونة
القبقاب الذي أعطاه خادم المسجد لمصري بعد سرقة حذائه لم يعد مجرد جزء من مشهد، بل أصبح أيقونة ثقافية.
صور القبقاب تظهر في فيديوهات تيك توك مع تعليقات مثل "لما الحياة تقولك: إنت مش قد الجزمة". بل إن بعض المستخدمين بدأوا يصممون ملصقات "واتساب" للقبقاب نفسه، كرمز للحلول المؤقتة التي يضطر المصريون لقبولها يوميًا.
"مصري" والطائرة: كوميديا العودة
مشهد مصري في الطائرة، عندما ادّعى المرض ليعود إلى مصر، ثم اكتشف الكابتن جوازه الأمريكي فعاد به فورًا، تحول إلى مادة كوميدية غنية.
هذا المقطع يُستخدم الآن في فيديوهات تسخر من فكرة "المصري اللي بيحب بلده رغم كل شيء".
تعليقات مثل "حتى الطيارة مش عايزاك تغيب عن مصر" تضيف نكهة ساخرة للموقف، مع ميمز تُظهر مصري يلوح للطائرة بعبارة "مش هسيبك يا مصر!".
"بالورقة والقلم": نشيد المآسي
أغنية "بالورقة والقلم"، التي غنتها "ريهام عبد الحكيم"، كانت في الأصل لحظة درامية في الفيلم، عندما كان "مصري" في قاع الإحباط بعد أن ضاع جواز سفره الأمريكي وطُرد إلى الشارع.
كلمات مثل "خدتيني ١٠٠ ألم، أنا شُفت فيكِ مرمطة" كانت تعبّر عن معاناة البطل. لكن المصريين، كعادتهم، حوّلوا هذه الأغنية من دراما إلى تريند كوميدي ساخر.
الآن، إذا فتحت أي فيديو على تيك توك أو إنستجرام فيه شجار في الشارع، أو حادث بسيط، أو حتى شخص وقع في موقف محرج، ستجد "بالورقة والقلم" تُستخدم في الخلفية.
الأغنية أصبحت كالنشيد الرسمي لأي مصيبة أو "مرمطة" تحدث.
مثلًا، فيديو لشخص يروي كيف ضاع يومه بسبب مشكلة في العمل، تجد الأغنية مع تعليق: "لما الدنيا تديك ١٠٠ ألم على قفاك".
حتى في المجموعات، إذا أرسل أحدهم صورة لطاولة مكسورة أو ازدحام مروري، ستجد الرد في صورة تسجيل صوتي للأغنية مع ضحكة.
هذه الأغنية لا تزال منتشرة حتى بعد عشر سنوات من عرض الفيلم، لأنها تلامس شعور الإحباط الذي نمر به جميعًا. الناس يستخدمونها الآن ليس فقط للسخرية من المواقف السيئة، بل أيضًا للضحك على أنفسهم وتفريغ الطاقة السلبية بطريقة خفيفة.
لماذا أصبح "عسل أسود" ظاهرة على الإنترنت؟
استطاع الفيلم أن يتحول إلى تريندات وملصقات "واتساب"؛ لأنه جسّد الواقع المصري بطريقة كوميدية ساخرة.
كل موقف في الفيلم، من سرقة الحذاء في المسجد إلى الرشاوى في المصالح الحكومية، كان يحدث فعليًا للكثير من الناس.
فعندما شاهد الناس هذه المواقف، شعروا أنها تحكي قصتهم، فقرروا تحويلها إلى فيديوهات وملصقات يعبرون بها عن يومياتهم.
كذلك، أحمد حلمي نفسه، كما قال أحد المعجبين، كان يصنع أفلامًا "تستدعي التأمل"، ليست مجرد كوميديا سطحية، بل تحتوي على نقد اجتماعي.
هذا جعل الفيلم يترسخ في ذاكرة الناس، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وجد الناس في المقاطع والأغنية وسيلة للتعبير عن الواقع بنفس الروح الساخرة.
في النهاية، لم يكن "عسل أسود" مجرد فيلم، بل أصبح ظاهرة ثقافية رقمية.
تحوّلت مشاهده وأغانيه إلى أدوات يومية للتعبير عن واقع يعيشه الكثيرون، بين المعاناة والسخرية، بين حب الوطن ومآزقه.
وربما، في كل مرة يشارك فيها أحدهم ملصقًا أو مقطعًا من الفيلم، لا يكون هدفه الضحك فقط، بل تذكير ساخر بأن الواقع، مهما بدا مرًا، يمكننا مواجهته بالقليل من "العسل الأسود".