عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

أصوات السماء.. قراء خلّدوا القرآن في ذاكرة الأمة

تقرير

المراية

منى حامد

5/24/20251 دقيقة قراءة

من إذاعة القاهرة إلى العالم، هكذا سطّر عمالقة التلاوة أسماءهم في التاريخ.

"إن أردنا أحكام التلاوة فالحصري، وإن أردنا حلاوة الصوت فعبد الباسط عبد الصمد، وإن أردنا النفس الطويل مع العذوبة فمصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعًا فهو محمد رفعت".

بهذه الكلمات البليغة لخّص إمام الدعاة، الشيخ محمد متولي الشعراوي، ملامح أعظم مدارس التلاوة في التاريخ الحديث، مشيرًا إلى رموز قرآنية لم تضيء فقط إذاعات الأمة، بل أنارت قلوب المسلمين في كل بقعة من الأرض.

ومع اقتراب موسم الحج وتوجه أرواح الملايين نحو البيت العتيق، تتردد في الآذان أصوات من طراز فريد، حملت كلام الله بأجمل نغمة وأقدس رسالة. هؤلاء ليسوا مجرد قرّاء، بل أيقونات قرآنية صنعت وعيًا دينيًا وثقافيًا امتد لعقود.

محمد رفعت.. "قيثارة السماء" وصوت لا يُنسى

في زمن كانت فيه الإذاعة تُولد، وُلد معها صوت من نوع مختلف. الشيخ محمد رفعت، الذي فقد بصره مبكرًا، أعطاه الله بصيرة في التلاوة لا تُضاهى. افتتح البث الرسمي للإذاعة المصرية عام 1934، بصوته الخاشع الذي تسلل إلى أعماق النفوس.

رفعت كان أول من جسّد "المعنى الصوتي" للآية، بصوت يبدأ همسًا خافتًا، ثم ينقلب إلى موجة من الروحانية والرهبة. رفض تسجيل القرآن للـ BBC ظنًا أنه حرام، حتى أفتاه العلماء بجوازه، فسجّل لهم سورة "مريم" بصوت ارتعدت له القلوب.

أُطلق عليه ألقاب كثيرة: المعجزة، الصوت الملائكي، الرباني، سوط عذاب وصوت رحمة.

وقد ظل صوته محفوظًا بفضل عشاقه الذين سجلوه من مجالسه القرآنية الخاصة.

الحصري.. شيخ القرّاء وصوت الأحكام المتقنة

الشيخ محمود خليل الحصري لم يكن قارئًا وحسب، بل كان مدرسة في التجويد والضبط والإتقان. وُلد عام 1917، وأتم حفظ القرآن في الثامنة. هو أول من سجّل المصحف المرتل كاملًا في التاريخ، بروايتي حفص وورش.

أسس مكاتب تحفيظ، ونادى بإنشاء نقابة للقراء، وعيّن شيخًا لعموم المقارئ المصرية.

رائد في العمل المؤسسي لخدمة القرآن، ومبتكر لأرشفة التلاوة القرآنية.

من مؤلفاته البارزة: أحكام قراءة القرآن الكريم، القراءات العشر، الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.

أوصى بثلث ثروته لخدمة كتاب الله، وتوفي عام 1980 بعد مسيرة علمية وصوتية فريدة.

عبد الباسط عبد الصمد.. "الحنجرة الذهبية" وصوت مكة إلى العالم

من قرية المراعزة في قنا إلى منابر التلاوة العالمية، شق الشيخ عبد الباسط عبد الصمد طريقه بصوت لا يُشبه إلا نفسه. يُعد أكثر قراء القرآن شهرة وانتشارًا، فقد امتلك قدرة نادرة على المزج بين الجمال الصوتي والعمق الشعوري في التلاوة.

اعتمدته الإذاعة عام 1951، وكان نجمها الأول بلا منازع، وتُوّج بلقب "صوت مكة".

قرأ في أعرق المساجد: المسجد الحرام، المسجد النبوي، المسجد الأقصى، وحتى كنائس ومراكز ثقافية عالمية.

لم يحظَ قارئ قرآني بمثل ما حظي به عبد الباسط من التكريم الدولي والشعبي، وظل أيقونة صوتية لما يقارب نصف قرن، حتى وفاته في 1988.

مصطفى إسماعيل.. فقيه المقامات و"قارئ القصر الملكي"

الشيخ مصطفى إسماعيل لم يكن فقط أحد رواد التلاوة، بل فنان المقامات الذي تكلّم بالقرآن بلغة الموسيقى الرفيعة دون أن يخرج عن نصه أو روحه.

وُلد عام 1905، وكان أول قارئ يُسجّل بالإذاعة دون اختبار رسمي.

صوته أبهر الملك فاروق، فاختاره قارئًا رسميًا للقصر الملكي.

رافق الرئيس السادات إلى القدس، وتُليت تلاواته في نحو 25 دولة.

أبرز ما يميّزه: القدرة على الدمج بين عذوبة الأداء وقوة التفسير، حتى قيل إن صوته يستحضر معاني الآيات كما لا يفعل سواه.

عندما تتحدث الحناجر بلغة السماء

في زمن التكنولوجيا والسرعة، يبقى الاستماع لهؤلاء العمالقة لحظة صفاء نادرة تعيد ضبط البوصلة الروحية في عالم متغيّر. لقد قرأوا القرآن ليس فقط بألسنتهم، بل بقلوبهم، فسكنوا قلوب الملايين.

وإن لم نكن من أهل التلاوة، فليكن حرصنا على الاستماع لهم تعويضًا عن ذلك، كما قال تعالى:

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾