عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

أيقونة الفن والخلود في يوم المرأة العالمي

المراية

دنيا الحلال

3/9/2025

في عالم الموسيقى، هناك أصوات تعبر الزمن وتبقى محفورة في وجدان الشعوب. واحدة من تلك الأصوات، وربما الأهم على الإطلاق، هي أم كلثوم. لم تكن مجرد مطربة، بل حالة متفردة من العظمة الفنية والتأثير الثقافي، استحقت عن جدارة لقب "كوكب الشرق". وفي يوم المرأة العالمي، يكون استحضار سيرتها احتفاءً بامرأة لم تكتفِ بأن تكون صوتًا عظيمًا، بل أصبحت رمزًا للوطنية والإلهام.

النشأة والبداية الصعبة

وُلدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية عام 1898 (أو 1904 وفقًا لبعض المصادر). نشأت في بيئة بسيطة، حيث كان والدها إمام مسجد، وتعلمت أصول التلاوة والتجويد قبل أن تبدأ في الغناء في الموالد والمناسبات الدينية. موهبتها الفريدة دفعت والدها إلى دعمها، وإن كان مترددًا في البداية بسبب نظرة المجتمع للغناء آنذاك.

انتقلت إلى القاهرة في أوائل العشرينيات، وهناك بدأت رحلتها مع المجد. تعلمت على يد كبار الملحنين مثل سيد درويش، وداود حسني، ورياض السنباطي، وكونت فرقتها الخاصة، لتصبح بعد سنوات قليلة الصوت الذي يتوقف أمامه الزمن.

الصعود إلى القمة

لم يكن نجاح أم كلثوم مجرد صدفة أو موهبة فطرية فقط، بل كان مزيجًا من الذكاء الفني والاجتهاد المستمر. تعاملت مع عمالقة الشعر والتلحين، مثل أحمد رامي، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، ورياض السنباطي، ثم لاحقًا محمد عبد الوهاب. استطاعت أن تطور أسلوبها الفني، لتخلق مدرسة غنائية خاصة بها ميزتها عن أي صوت آخر.

كانت حفلاتها الشهرية التي أُقيمت على مدار عقود حدثًا منتظرًا في العالم العربي، إذ كانت القاهرة تتوقف تمامًا في الليلة التي تغني فيها كوكب الشرق. جمهورها لم يكن مجرد مستمعين، بل كانوا جزءًا من التجربة، يرددون معها، ويعيشون تفاصيل الأداء كما لو كانت نشوة جماعية.

وطنيتها ومواقفها القوية

لم تكن أم كلثوم فنانة تعيش في برج عاجٍ، بل كانت رمزًا وطنيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. دعمت مصر في أصعب اللحظات، وكرست فنها لقضيتها. بعد نكسة 1967، جابت العالم العربي وأوروبا في جولات فنية لجمع التبرعات لدعم الجيش المصري. لم يكن غناؤها مجرد أغانٍ عاطفية، بل كان صوتًا يعبر عن وجدان الأمة، فغنّت "مصر التي في خاطري"، و"أنا الشعب"، و"والله زمان يا سلاحي"، التي أصبحت نشيدًا وطنيًا لمصر لفترة.

كانت علاقتها بالرئيس جمال عبد الناصر علاقة احترام متبادل، ورغم أنها لم تكن تجامل أحدًا، إلا أن حبها لمصر كان دافعها الأول في جميع مواقفها. حتى بعد وفاتها، بقيت سيرتها مرتبطة بملامح مرحلة من التاريخ المصري، حيث كانت الصوت الذي بث الأمل وسط الهزائم، والفرح وسط الأحزان.

الأغنية الأقرب إلى قلبها

رغم نجاحاتها المتعددة، فإن الأغنية الأقرب إلى قلبها كانت "الأطلال"، وهي واحدة من أروع ما غنّت، من كلمات إبراهيم ناجي وألحان رياض السنباطي. السبب وراء حبها العميق لهذه الأغنية هو ارتباطها بشخصيتها العاطفية العميقة، حيث كانت ترى فيها تعبيرًا عن مشاعر الفقد والحنين والحب الناضج الذي يحمل في طياته الأسى والذكريات.

إرثها وتأثيرها عبر الأجيال

رحلت أم كلثوم عن عالمنا في 3 فبراير 1975، لكن صوتها لم يغب أبدًا. جيل بعد جيل، لا تزال أغانيها تُسمع، ولا تزال مكانتها الفنية غير قابلة للمنافسة. استلهم الكثيرون من تجربتها، وتأثر بها فنانون من مختلف الأجيال، لكنها بقيت متفردة، عصية على التكرار.

في يوم المرأة العالمي، تظل أم كلثوم نموذجًا نادرًا للمرأة القوية، التي لم يحدها زمن، ولم ينطفئ وهجها رغم مرور عقود على رحيلها. كانت امرأة صنعت مجدها بنفسها، بقوة موهبتها وذكائها، لتصبح ليس فقط "كوكب الشرق"، بل كوكب الفن الذي لا يأفل أبدًا .