عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
بوشنل مقابل رودريجيز: التضحية بالنفس أم التضحية بالآخر؟
مقال
باروميتر
د . مصطفى شحاتة
6/10/2025


عندما تقرأ المنشورات والتغريدات التي علّقت على حادثة إلياس رودريجيز على مواقع التواصل الاجتماعي، تلاحظ رسالة خطيرة يتردد صداها لدى كثيرين: أن العنف قد يحتاج إلى أن يُقابَل بمزيد من العنف.
إن مقتل موظفَين تابعَين للسفارة الإسرائيلية في واشنطن على يد إلياس رودريجيز (الثلاثيني من شيكاغو) قد ترك رسالة مقلقة، رسالة من غير المرجّح أن تلقى آذانًا صاغية لدى الحكومة الأمريكية.
يشير هذا الحدث إلى تحوّل مخيف، حتى لو كان جزئيًا، من الاحتجاج السلمي إلى العمل العنيف. سواء رأيناه حادثًا فرديًا أو نذيرًا لتغيير أوسع، فإنه قد يُمثّل تحذيرًا قويًا للسياسات الأمريكية والغربية تجاه إسرائيل.
لماذا هذا التحول؟ ربما لأنه، وبشكل مأساوي، قد صادفت صرخات الاعتراض التي انتشرت على مستوى العالم احتجاجًا على الحرب في غزة آذانًا صمّاء.
التضحية بالنفس
إذا قارنا هذا بـحادث آرون بوشنل، الرجل الذي ضحّى بنفسه العام الماضي، نجد اختلافات جديرة بالاهتمام. في 25 فبراير 2024، أقدم عضو في سلاح الجو الأمريكي يبلغ من العمر 25 عامًا على فعل صدم العالم. خارج السفارة الإسرائيلية في واشنطن، أشعل آرون بوشنل النار في نفسه. تركت صرخته الأخيرة، "فلسطين حرة!"، العالم مذهولًا، ومرّرت تضحيته رسالة قوية تطالب بالتغيير؛ رسالة يبدو أنها لم تلقَ صدى لدى صانع القرار.
أراد بوشنل أن يكشف ما اعتبره تواطؤًا أمريكيًا في ظلمٍ فادح. ويصفه من عرفوه بأنه رجل مبادئ راسخة، وروح عانت بشدة من التدهور الأخلاقي الذي رآه في بلاده. وقد أثارت تضحيته المأساوية تساؤلات مؤرّقة في الضمير العالمي حول موقف الدول الكبرى من الحرب، وأشعلت نقاشات حادة لم تتبلور، للأسف، إلى فعلٍ جاد يخفّف من وطأة الحرب.
عادةً ما تكون التضحية بالنفس كشكل من أشكال الاحتجاج نابعة من يأسٍ عميق، وإدراكٍ مؤلم بأن كل السبل الأخرى قد استُنفدت. إنها محاولة مروعة لجذب الانتباه وصرخة اعتراض أخيرة. لكنها، في جوهرها، تظل طريقة لإيذاء الذات فقط، دون أن تمتد يد الأذى إلى الآخرين.
مفارقات نموذجين
على الرغم من أن بوشنل ورودريجيز سعيا، كلٌّ بطريقته، إلى كسر جدار الصمت حول المعاناة الفلسطينية وتحدي الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، فإن مساريهما افترقا بشكل جذري.
اختار بوشنل طريق الشهادة، وهو شكل يائس ومأساوي من الاحتجاج. أما رودريجيز، الذي ربما شعر بغضبٍ أكبر ويأسٍ أعمق من إمكانية إحداث أي تغيير، فقد لجأ إلى نهجٍ أعنف، موجّهًا غضبه نحو بعض المرتبطين جزئيًا بالحرب.
الجسد هنا هو مادة المقارنة. فبينما استهدف بوشنل جسده لإيصال صرخة مأساوية للعالم، لجأ رودريجيز إلى استهداف أجساد الآخرين لتوجيه تحذير عنيف للمجتمع. لا تستهدف هذه المقارنة إصدار حكمٍ أخلاقي على الفعلَين؛ فقد رُصِدت مواقف متباينة تتراوح بين رفضهما كليًا، أو الميل لأحدهما، أو حتى اعتبارهما شكلًا من أشكال التعبير عن الغضب. بل إنها تسعى لتحليل التباين بين نموذجين يستحقان التأمّل العميق في أسبابهما وتداعياتهما المستقبلية.
تداعيات نهجين
هذا التباين الصارخ يُجبرنا على مواجهة أسئلة مؤرّقة: ما الذي يجعل الاحتجاج فعّالًا في عالمنا المعاصر؟ متى يتجاوز النداء العاطفي الخط الفاصل إلى العنف المميت؟ وما الأثر الباقي لفعلَين متناقضَين ينطلقان من دافعٍ مشترك؟
هذه أسئلة ربما لن نجد لها أجوبة حاسمة، لكن الثابت حتى الآن هو غياب التأثير الفعلي لهذين الحدثين المأساويين على صانع القرار، بالإضافة إلى المعضلة الأخلاقية التي كشفا عنها، والتي ستظل تطارد حكوماتٍ غربية طويلاً.
قد يبقى بوشنل، بالنسبة لكثيرين، رمزًا للتضحية الصامتة في وجه الظلم. أما رودريجيز، فقد يُمثّل تجسيدًا صارخًا للتحدي العنيف للظلم.
كلا النهجين سيثير نقاشاتٍ ملحّة حول أخلاقيات الاحتجاج، وفعاليته، وعبئه الثقيل. لكن الأهم أنهما سيظلّان نموذجَين يجسّدان مسارات الاحتجاج العنيف، خاصةً عندما يتعلق الأمر بواحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وإثارةً للجدل في عالمنا المعاصر.