عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
درية شفيق.. دفعت ثمن الحرية عمرًا ونضالًا
وداعا
ندى يونس
3/10/2025


يأتي اليوم القومي للمرأة المصرية كل عام ليذكّرنا بتاريخ حافل من النضال والتحدي، كتبته نساء مصر عبر السنين من أجل تحقيق المساواة والحقوق السياسية والاجتماعية. وفي قلب هذا النضال، يبرز اسم درية شفيق، إحدى أبرز المناضلات اللواتي لعبن دورًا أساسيًا في حصول المرأة على حق التصويت والترشح.
وُلدت درية شفيق عام 1908 في مدينة طنطا، حيث نشأت في بيئة شجّعتها على التعليم، فقد كان والدها مهندسًا في السكة الحديد، وحرصت عائلتها على تربيتها على الثقافة والحرية بما لا يتعارض مع الدين الإسلامي. التحقت بمدرسة البعثة الفرنسية بطنطا، ثم اختارتها وزارة المعارف، بسبب تفوقها، ضمن أول منحة للطالبات للدراسة في جامعة السوربون بفرنسا عام 1928. وهناك، نالت درجة الدكتوراه في الفلسفة، وركزت في رسالتها على "حقوق المرأة في الإسلام"، حيث دافعت عن حقوق المرأة، وأثبتت أن الإسلام منحها حقوقًا لم تكن مكفولة في العديد من المجتمعات.
عادت درية إلى مصر بعد حصولها على الدكتوراه، لكن حلمها بالعمل الأكاديمي قوبل بالرفض، إذ لم يكن التدريس الجامعي متاحًا للنساء حينها. فاتجهت إلى الصحافة والعمل المجتمعي، حيث شغلت منصب رئيس تحرير مجلة "المرأة الجديدة"، ثم أطلقت مجلة "بنت النيل"، التي أصبحت منصة للدفاع عن حقوق المرأة المصرية. كما أطلقت مجلة للأطفال حملت اسم "الكتكوت الصغير"، بهدف غرس القيم الصحيحة في الأجيال القادمة.
نضال من أجل الحقوق السياسية
كانت درية شفيق من أشد المدافعات عن حق المرأة في التصويت والترشح، وقادت عام 1951 مظاهرة نسائية كبيرة ضمّت 1500 امرأة، اقتحمن مقر البرلمان المصري للمطالبة بمنح النساء حقوقًا سياسية مساوية للرجال، وأُعتُقلت بعد ذلك. أدى هذا الاحتجاج إلى مناقشة حقوق المرأة السياسية في البرلمان، وهو ما مهّد لإقرار تلك الحقوق رسميًا في دستور 1956، حيث حصلت المرأة لأول مرة على حق التصويت والترشح للانتخابات بفضل جهود درية شفيق.
مقاومة الاحتلال البريطاني
لم يقتصر كفاحها على الدفاع عن حقوق النساء، بل شمل أيضًا مقاومة الاحتلال البريطاني. ففي عام 1951، شكّلت فرقة نسائية للمقاومة المسلحة، وقامت بتدريب النساء على القتال والتمريض للمشاركة في النضال ضد الاستعمار. كما قادت مظاهرة نسائية حاصرت بنك باركليز البريطاني بالقاهرة، داعيةً إلى مقاطعته، مما أدى إلى اعتقالها مرة أخرى.
الإضراب عن الطعام من أجل الدستور
عقب تشكيل لجنة صياغة الدستور المصري دون تمثيل للمرأة عام 1954، قررت درية شفيق الإضراب عن الطعام لمدة 10 أيام؛ احتجاجًا على تهميش النساء. استجاب الرئيس محمد نجيب لضغطها، وأرسل إليها محافظ القاهرة ليؤكد أن المرأة ستحصل على حقوقها السياسية في الدستور الجديد، وهو ما تحقق لاحقًا بمنحها حق الترشح والمشاركة في الانتخابات العامة.
الإقامة الجبرية والعزلة
واجهت درية شفيق التهميش السياسي والإقامة الجبرية بعد ثورة يوليو 1952، عقب تولي جمال عبد الناصر الحكم؛ حيث تم عزلها عن الحياة العامة وإقصاؤها من المشهد السياسي والاجتماعي. أصبحت درية رمزًا للمقاومة تحت العزلة، فبعد فرض الإقامة الجبرية عليها عام 1957، لجأت إلى الكتابة كوسيلة للمقاومة، فترجمت القرآن الكريم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ودوّنت أفكارها وتجاربها في مذكراتها الخاصة. كما أبدعت في الشعر والأدب، فألّفت عدة دواوين وكتب ناقشت فيها قضايا المرأة والمجتمع، محاولةً أن تبقى صوتًا حرًا رغم القيود المفروضة عليها.
نهاية مأساوية
عاشت درية شفيق في عزلة لمدة 18 عامًا حتى وفاتها عام 1975 في ظروف غامضة، عندما سقطت من شرفة منزلها في حي الزمالك. وقيل إنها أنهت حياتها بنفسها بعد سنوات من الوحدة والإحباط.
إرث خالد
دفعت درية شفيق ثمن الحرية من عمرها ونضالها، فكانت مثالًا للتضحية في سبيل تحقيق العدالة والمساواة. لم يكن كفاحها مجرد دفاع عن حقوق المرأة، بل كان نضالًا من أجل وطن يؤمن بقيمة كل فرد فيه. واليوم، تستمر مسيرتها في إلهام الأجيال، لتثبت أن المرأة ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي قوته الدافعة، وصوته الحر، وروحه التي لا تنكسر.