عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

‫فاطمة حسونة: "الكاميرا هي السلاح والكلمات هي النصر"‬

تقرير

المراية

دنيا الحلال

4/18/20251 دقيقة قراءة

في كل صورة كانت تلتقطها، كانت فاطمة حسونة تكتب قصة جديدة لشعب يعاني من ألم الاحتلال، وتحلم في نفس الوقت بعالم أفضل، "أما على ذكر الموت الذي لا بُدّ منه، فأنا إذا مت أريد موتًا مدويًّا، لا أريدني في خبرٍ عاجل، ولا في رقم مع مجموعة، أريد موتًا يسمع به العالم، وأثرًا يظل مدى الدهر، وصورًا خالدة لا يدفنها الزمان ولا المكان".

كانت هذه الكلمات آخر ما كتبت قبل أن يُستشهد جسدها في قصف استهدف منزلها في غزة، ولكن كلماتها ستظل خالدة، وصورها ستظل شاهدة على ما عجزت الكلمات عن شرحه.

نشأتها وإيمانها بالكلمة والصورة

في قلب غزة المحاصرة، حيث لا تكاد الشمس تشرق دون أن تترك خلفها ذكرى جديدة للألم، وُلدت فاطمة حسونة؛ نشأت في حي التفاح، الذي كان يئن تحت وطأة الحروب المستمرة والحصار الخانق.

ولكنها لم تسمح لهذه الظروف بأن تقتل حلمها، حيث تعلمت في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة، وتخصصت في الإعلام، ولطالما كانت تأمل أن تستخدم أدوات الإعلام لنقل معاناة شعبها إلى العالم.

كانت فاطمة تدرك تمامًا أنه في عالم اليوم، لا تكفي الكلمات وحدها لإيصال الحقيقة؛ لذا، امتلكت كاميرتها وابتسمت للعدسة كما لو كانت تفهمها، وصارت أكثر من مجرد مصورة؛ أصبحت صوتًا حقيقيًّا لفلسطين في العالم.

كلماتها التي سكنت القلوب: فلسفة الحياة والموت

"أما على ذكر الموت الذي لا بُدّ منه، فأنا إذا مت أريد موتًا مدويًّا"، كانت هذه الكلمات بمثابة تعبير عن فلسفتها في الحياة والموت.

فاطمة لم تكن تخشى الموت، بل كانت تعتبره جزءًا من القصة التي ترويها، كان لكل لحظة لديها قيمة، ولكل صورة تلتقطها حكاية يجب أن تُسمع.

لم تكن تلتقط الصور لمجرد التقاط لحظات عابرة، بل كانت تصوّر الأمل في ظلمات الاحتلال، وتوثق أحلامًا قد تؤول إلى زوال، لكنها تظل تتجدد في قلبها وقلب كل من يراها.

مسيرتها الإعلامية: تصوير الواقع بشجاعة

بينما كانت تُعدّ عدستها كل يوم للقبض على الحقيقة، لم تكن تركز فقط على مآسي الشعب الفلسطيني، بل أيضًا على اللحظات الصغيرة التي تروي قصصًا من حياة الناس.

كانت تجوب شوارع غزة، تلتقط صور الأطفال الذين يلعبون في أزقة المدينة، في محاولة لنقل صورة مغايرة لما كان يُشاع عن القطاع في وسائل الإعلام الغربية، لم تكن صورها تقتصر على الحروب، بل كانت تظهر الحياة بكل تفاصيليها؛ الفرح وسط الحزن، والأمل وسط اليأس.

وكانت كلماتها تُسجّل نفس المعاني، فقد كتبت في إحدى منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي: "إنه أول غروب للشمس منذ فترة طويلة". وتعد هذه الكلمات بمثابة تأكيد على أنه رغم كل ما يعيشه الفلسطينيون، فإن الأمل لا يموت، والغروب يعقب النهار، مهما طال الظلام.

مشاركتها في السينما الوثائقية: من غزة إلى العالم

فاطمة كانت تؤمن بأن الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هو وسيلة لإحداث التغيير. ولذلك، شاركت في الفيلم الوثائقي "ضع روحك على كفك وامش"، وهو فيلم يروي قصة معاناة الشعب الفلسطيني من خلال عيونها.

وكانت هذه الخطوة بمثابة انعطاف جديد في مسيرتها الإعلامية، حيث كانت تأمل أن تصل رسالتها إلى العالم من خلال السينما، في محاولة لكسر الحواجز الإعلامية والسياسية التي تحاول طمس الحقيقة الفلسطينية.

استشهادها: لحظة فارقة في تاريخ الإعلام الفلسطيني

في 16 أبريل 2025، استهدفت غارة جوية منزلها في حي التفاح، فقُتلت فاطمة مع عشرة من أفراد عائلتها. لكن رحيلها لم يكن نهاية، بل بداية لقصة أكبر، تمامًا كما أرادت.

آخر ما نشرته قبل استشهادها كان كلماتها عن الموت، وكأنها كانت تعلم أن النهاية قريبة، لكنها أرادت لها أن تكون بداية لصوت لا يموت، لصرخة تهز العالم، ولحقيقة لا تُنسى.

إرثها الحيّ: صورة تقاوم النسيان

فاطمة لم تكن فقط شاهدة على الحدث، بل كانت جزءًا منه، صورها وكلماتها ستظل حيّة، تتناقلها الأجيال، وتُدرّس في كليات الإعلام، وتُرفع في المعارض الدولية، كرمز للقوة، والشجاعة، والإصرار على الحلم رغم كل شيء.

لقد حققت فاطمة ما تمنته: "موتًا يسمع به العالم"، وخلّدت اسمها في ذاكرة الإعلام الفلسطيني والعالمي، كواحدة من أبرز من حوّلوا الصورة إلى شهادة حقيقية لا تموت.