عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

فدوى طوقان.. شاعرة فلسطين التي خلّدت آلام الوطن وآماله

المراية

منار تامر

3/21/20251 دقيقة قراءة

فدوى طوقان.. شاعرة فلسطينية حملت بين كلماتها هموم وطنها وجراح شعبها، وارتقت بشعرها إلى آفاق الإبداع الأدبي الثقافي، شكلت حضورًا مميزًا في سماء الأدب العربي، كانت وما زالت واحدة من أبرز الأصوات التي جمعت بين الفن الشعري الرفيع والانتماء العميق لوطنها.

وُلدت فدوى طوقان في مدينة نابلس في فلسطين عام 1917، وعاشت حياة مليئة بالتحديات، إلا أن هذه التحديات لم تكن سوى وقود ألهم إبداعها وجعلها واحدة من أوائل الشاعرات اللواتي نظمن الشعر العربي الحر؛ لتكون بذلك سباقة في تجديد أسلوب الشعر العربي وتطويره.

تأثرت فدوى طوقان بشعراء المهجر الذين عاشوا هموم الوطن العربي وآلامه، إلا أنها نجحت في إضافة لمستها الشخصية ممزوجة بين الألم والأمل وبين الرقة والقوة، فشعرها لم يكن مجرد كلمات، بل كان صرخة وطنية تنبض بحب الأرض والإنسان، مجسدة هموم شعبها في مواجهة الاحتلال، خاصة بعد نكسة 1967 حين غلب الهم الوطني على معظم أعمالها.

لقد أُطلق عليها "أم الشعر الفلسطيني" و"شاعرة فلسطين"، وذلك ليس فقط تكريمًا لإبداعها الشعري، بل أيضًا تقديرًا لدورها الثقافي البارز في توثيق معاناة شعبها ونضاله من خلال الكلمة.

كانت حياتها بمثابة رحلة كفاح طويلة ضد القيود الاجتماعية التي كانت تلاحق النص الأدبي النسائي، حيث نشأت في بيئة تقليدية كانت الكتابة فيها محاطة بالحرمان والرقابة في أحيان كثيرة، لكن فدوى بدأت تجربتها الشعرية في مرحلة مبكرة، حيث كتبت أولى محاولاتها في نظم الشعر الغنائي، وكان من أبرزها أغنية «العيد» التي كتبتها للإذاعة الفلسطينية عام 1934، في محاولة منها لإظهار تعلقها بالوطن ورغبتها في التعبير عن فرحته وألمه في آن واحد.

ومع مرور الوقت، تجاوزت فدوى طوقان حدود الشعر الغنائي، وبدأت في تأليف المقطوعات الشعرية التي مزجت بين الرقة الوطنية والأحاسيس الإنسانية.

ورغم أن فدوى كانت من أوائل الشاعرات اللواتي تصدرن الساحة الأدبية، فإن الواقع الاجتماعي تطلب منها الحذر آنذاك، فاختارت أن تُوقّع على قصائدها الغزلية باسم مستعار وهو «دنانير» في خطوة منها لتجنب الفضيحة والعار اللذين كانا يحيطان بظهور النساء في ساحة الأدب، ورغم ذلك لم تُخدع الأوساط الأدبية بهذا الاسم المستعار، وسرعان ما أصبحت فدوى طوقان تُعرف بلقب «المطوقة» في إشارة إلى التميز والتفرد الذي حملته قصائدها.

منذ أن بدأت حركة الشعر العربي الحديث في الخمسينيات، انطلقت فدوى طوقان بعيدًا عن الأطر التقليدية للشعر العربي، فآمنت بضرورة التجديد والتحديث، وقررت أن تُحرر قصائدها من قيود الأشكال القديمة، وكانت من أوائل الشعراء العرب الذين تبنوا شعر التفعيلة، الذي منحها آفاقًا أوسع للتعبير وجعل قصائدها تتناغم مع حركة العصر وتطلعاته.

ولم تقتصر فدوى على أسلوب واحد في الكتابة، بل كانت تجربتها غنية بالابتكار الفني، فقد كتبت القصيدة المقطعية التي تتميز بتعدد الأبعاد والطبقات، مما يمنح النص تنوعًا دلاليًا وقوة تعبيرية، كما لجأت فدوى إلى تقنيات مثل المونولوغ، حيث تتداخل الأصوات الداخلية لتخلق حالة من الحوار الذاتي العميق.

استلهمت فدوى في العديد من قصائدها من التراث العربي والأساطير، فمزجت بين الأصالة والمعاصرة، وأضافت إلى قصيدتها بعدًا دراميًا يعكس تداخل الأزمنة والأمكنة في علاقة معقدة بين الماضي والحاضر، ومن خلال هذه التجارب تبلورت إبداعاتها في الشعر ليصل إلى ذروته في ديوانها الثاني «وجدتها» الذي كان بمثابة شهادة على تحولها العميق، حيث عكس انفتاحها على معاني الحب والحرية، وكان استجابة لرغبات المجتمع في التغيير والانفتاح على آفاق جديدة.

لقد شغلت فدوى طوقان عدة مناصب جامعية، كان آخرها أمينة السر في مجلس أمناء جامعة النجاح الوطنية بنابلس، وهذا ليس سوى تعبير عن مكانتها الفكرية الرفيعة، حيث كانت شريكًا في جميع المؤتمرات الأدبية والفكرية التي حملت هموم العرب في كل مكان، وساهمت في نشر قضاياهم على الساحة العالمية.

أما عن أعمالها الأدبية، فقد كرست فدوى طوقان حياتها للشعر، وأصدرت العديد من الدواوين الشعرية التي تُعتبر من أعمدة الأدب العربي المعاصر، ففي ديوان "وحدي مع الأيام" عام 1952، وديوان "اللحن الأخير" عام 2000، كانت تخط بحروفها حكايات الحب والألم، الفقد والوجد، لتصنع من الكلمات صورة معبّرة عن النفس البشرية في مواجهة الحياة.

إلى جانب شعرها، كانت لفدوى طوقان أيضًا أعمال نثرية تتمثل في سيرتها الذاتية "رحلة جبلية، رحلة صعبة" عام 1985، و"الرحلة الأصعب" عام 1993، حيث استطاعت من خلالهما أن تسرد قصة حياتها تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، ماضية عبر محطات من المعاناة والصمود، لتكون بذلك شاهدة على تفاصيل كل مرحلة عاشتها، وتحاكي ما مر به وطنها من نكبات وآمال.

كانت قصائد فدوى طوقان بمثابة جسر بين ثقافات العالم، حيث تمَّت ترجمة العديد من أشعارها إلى لغات عديدة، من الإنجليزية إلى الإيطالية، الفرنسية، السويدية، وغيرها، وهو ما جعل صوتها يصل إلى مسامع العالم ليُصبح جزءًا من الحوار الثقافي العالمي.

في الختام، تظل فدوى طوقان علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي، وشاهدة حية على معاناة شعبها ونضاله المستمر من أجل الحرية والكرامة، لقد خلّدت طوقان اسمها في سماء الشعر العربي من خلال كلماتها التي كانت بمثابة مرآة تعكس هموم الوطن وآماله، فتجاوزت حدود الشعر لتُصبح صوتًا يصدح بالأمل في أحلك الأوقات.