عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
فنّ مع إيقاف التنفيذ: من رسالة وحيد حامد إلى سيناريو الترند
مقال
باروميتر
إحسان أسامة
5/24/2025


في زمنٍ تتسابق فيه الأعمال الفنية على تصدّر قوائم المشاهدة، يطرح السؤال نفسه: هل ما نقدّمه اليوم من دراما يحمل قيمةً حقيقية، أم أنه مجرّد موجة عابرة من "التريند"؟
لا يمكن إنكار أنّ كثيرًا من الأعمال الفنية المعروضة اليوم باتت تُنتَج فقط لتتصدّر قوائم الترند، لا لتبقى في ذاكرة الجمهور، فلم يعد الهدف تقديم فنٍ يحمل رسالة أو قيمة، بل صار التركيز منصبًا على سرعة الانتشار، ولو على حساب الجودة والمعنى، بل وحتى على حساب احترام الفن ذاته.
وهنا يبرز سؤال مهم، ماذا حدث للكتّاب، وأين اختفى دورهم الحقيقي؟
في الماضي، كان الكاتب هو قلب العمل، يصوغ القصة، ويرسم ملامح الشخصيات، ويضع أدق التفاصيل التي تجعل المشاهد يصدّق ما يراه ويتفاعل معه، أسماء مثل وحيد حامد، وأسامة أنور عكاشة، وغيرهما، كتبوا من أجل الفن، من أجل أن يتركوا أثرًا يبقى.
أما اليوم، فكثيرٌ من الكتّاب يكتبون من أجل الترند، من أجل "مشهد يُشعل السوشيال ميديا"، من أجل جملة تُثير الجدل وتتحوّل إلى "كوميكس"، في زمن الميديا، تحوّلت الكتابة إلى أداة لصناعة الضجّة، لا لصناعة القيمة.
وحين نعود إلى أعمال الكاتب الكبير وحيد حامد، فإننا لا نعود فقط لمشاهدة أفلام ومسلسلات ناجحة، بل نعود إلى نصوص كُتبت بوعيٍ حقيقي وجرأة نادرة، كان يكتب وهو مدرك تمامًا خطورة الكلمة، وكان يختار معاركه بعناية، لم يكن يسعى لإرضاء السوق، بل لتحريك المجتمع.
أعمال مثل الإرهاب والكباب، طيور الظلام، والجماعة، كانت تُثير نقاشًا واسعًا، وتفتح العيون، وتظل عالقة في الذاكرة، لأنها انطلقت من فكر، لا من تريند.
أما اليوم، فيبدو أن بعض الكتّاب يعملون بعقلية السوق، لا بعقلية الرسالة، أيمن سلامة مثال على كاتب له حضور قوي في الساحة، وكتب أعمالًا نالت رواجًا جماهيريًا، مثل الحساب يجمع، كلام على ورق، ولدينا أقوال أخرى، لكنّ أسلوبه يميل إلى الدراما السريعة، والمبالغة في الأحداث والانفعالات، ويعتمد كثيرًا على "التصعيد الميلودرامي" – من خيانة، إلى جريمة، إلى انتقام – وهي عناصر تجذب الجمهور، لكنها نادرًا ما تخلّف تساؤلات أو تأملات عميقة.
قد نجد في بعض أعماله حبكة مشوّقة، وشخصيات ملفتة، لكن نادرًا ما نجد معالجة جادّة لقضية مجتمعية، أو طرحًا حقيقيًا لمشكلة عامة، الجمهور يتفاعل لحظيًا، لكن بعد انتهاء المسلسل، لا يبقى في الذاكرة شيء يُذكر.
وهنا يظهر الفارق الجوهري بين كتّاب كوحيد حامد، وكتّاب يكتبون للضجة اللحظية، الأول كان يكتب ليترك أثرًا طويل الأمد، يثير التفكير، ويفتح الأسئلة، أما الآخر، فيكتفي بصدى سريع لا يدوم.
في النهاية، لا يمكن إنكار أن الفن الحقيقي يبدأ من كاتب حقيقي يحمل رؤية ورسالة، الفرق بين أجيال الكتّاب ليس فرقًا في الأسلوب أو الزمن، بل في الهدف والضمير.
وحيد حامد لم يكتب من أجل التريند، بل من أجل التأثير والبقاء، أما كثيرٌ من كتّاب اليوم، فقد أصبحت كتابتهم مجرّد محاولة لصناعة ضجة مؤقتة.
ولكي يستعيد الفن قيمته، لا بد أن نُعيد للكاتب دوره الحقيقي كمبدع ومفكّر، لا كمجرّد صانع محتوى يُرضي لحظة عابرة.