عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

فرانز فانون: الطبيب الذي شخّص الاستعمار كمرض نفسي

تقرير

المراية

نورهان عادل

4/25/20251 دقيقة قراءة

"الاستعمار ليس غزوًا فقط… بل هو تشويه للروح، غرسٌ للدونية، وتجريد الإنسان من ذاته."

– فرانز فانون

في النصف الأول من القرن العشرين، وبينما كانت شعوب الجنوب تصرخ تحت وطأة الاستعمار، خرج صوت مختلف… لم يكن سياسيًا فقط، ولا أكاديميًا تقليديًا، بل كان طبيبًا نفسيًا شخّص الاستعمار كمرض مزمن يصيب المستعمِر والمستعمَر معًا.

فرانز فانون، المفكر الثوري من المارتينيك، كان حالة نادرة من التلاقي بين الفكر والتحليل النفسي والمقاومة بالسلاح.

من جزر الكاريبي إلى ساحات الثورة

وُلد فانون عام 1925 في جزيرة المارتينيك الكاريبية تحت الحكم الفرنسي. من صغره، واجه عنصرية مبطّنة: كان فرنسيًا من الدرجة الثانية، أسود البشرة، يتلقى التحقير بلغةٍ متحضّرة.

شارك في الحرب العالمية الثانية مع الجيش الفرنسي ضد النازية، لكنه سرعان ما أدرك أن الاستعمار الفرنسي لم يكن أنبل من النازية… فقط أكثر نفاقًا.

بعد الحرب، درس الطب النفسي في فرنسا، حيث بدأ يشكك في علمٍ يُستخدم أحيانًا لتطبيع القهر.

الاستعمار كتشوّه نفسي

في الجزائر، حيث عمل طبيبًا نفسيًا في مستشفى البليدة، واجه فانون الحالات الحقيقية للصدمة الاستعمارية: مرضى فقدوا القدرة على التوازن بسبب العنف، نساء يعانين من الخوف المزمن، شباب متمردون على واقع لا يُحتمل.

كتب: "الاستعمار يعيد تشكيل دماغ الإنسان المستعمَر، يغرس فيه الشعور بالدونية، ويملي عليه صورته عن نفسه."

وفي عام 1952، أصدر كتابه الشهير "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء", الذي حلّل فيه كيف يرتدي الإنسان المستعمَر قناع "البيض" في سلوكه ولغته، سعيًا لنيل القبول… لكنه لا يُقبَل أبدًا.

من الطب إلى البندقية

لم يكتفِ فانون بالتحليل حين اندلعت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، استقال من عمله الرسمي، وانضم لجبهة التحرير الوطني ليصبح صوتها الفكري والدبلوماسي.

وفي كتابه الناري "معذبو الأرض" (1961)، أعلنها صريحة:

"العنف الثوري هو العلاج الوحيد لفكّ عقدة القهر المزمن."

رحيل مبكر… لكنه بصدى ممتد

رحل فانون شابًا عن عمر 36 عامًا بعد صراع مع مرض السرطان.

لكنه ترك أثرًا يفوق أعمارًا كاملة.

منذ وفاته عام 1961، وأفكاره تُستلهم في حركات تحرّر، احتجاجات ضد العنصرية، دراسات ما بعد الاستعمار، وحتى في نضالات السود في أمريكا.

فرانز فانون لم يكن طبيبًا يعالج المرضى فقط، بل كان مثقفًا يحاول شفاء شعوب بأكملها من الاستعمار النفسي والسياسي. عاش كمن يحمل مرآة في وجه العالم ليُجبره على مواجهة حقيقته. وكان المرآة… حادة، صادقة، لا ترحم.