عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

غسان كنفاني.. صاحب القلم الذي هزم الرصاص

المراية

منار تامر

3/12/20251 دقيقة قراءة

غسان كنفاني.. المحارب الذي لم يحمل سلاحًا، بطل حكاية مزجت بين الأدب والإعلام والسياسة، بدأت أحداثها بمولده في عكا، ثم تنقله بين المدن والمهن بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية. كانت فلسطين موطنه وجوهر حكايته حتى السطر الأخير ووضع النقطة. وُلد كنفاني في سبتمبر 1936، وعاش مع عائلته في يافا حتى عام 1948، حيث أُجبروا على النزوح سيرًا على الأقدام إلى لبنان، ثم سوريا.

جسدت أعماله الأدبية معاناة شعبه مع الاحتلال والغربة، واستوحى أحداثها من تجاربه الشخصية، فقد عمل كنفاني مدرسًا للاجئين في المخيمات، وعايش معاناة التغرب والكفاح، بالإضافة إلى تعرضه للسجن.

دخل كنفاني عالم السياسة من باب الإعلام، حيث وجدت أفكاره النضالية صدى في عدد من الصحف والمجلات، مثل مجلة «الرأي» التي أصدرتها حركة القوميين العرب، ومجلة «الهدف» الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وعند الحديث عن الأديب المناضل، لا بد من الإشارة إلى مفهوم "أدب المقاومة" عند غسان كنفاني، حيث أدرك أهمية الأدب في مقاومة المحتل، وأن فعل المقاومة بالقلم والورقة والكلمة لا يقل أثرًا عن الرصاص والعنف والاستيطان.

في هذا السياق، ناقش كنفاني أدبيات المقاومة وأثرها على القضية الفلسطينية وانعكاسها على الأدب العربي، وعرض نماذج مختلفة من الشعر الشعبي. ففي مقالة له بعنوان «أدب المقاومة في فلسطين المحتلة»، نشرتها مجلة الآداب في عددها السابع عام 1966، شدّد على مصطلح "المقاومة الأدبية" في مواجهة الاحتلال، إيمانًا منه بقوة الكلمة وارتباطها بالأرض والهوية والثقافة.

كما تناول كنفاني موضوع المقاومة من زاوية أدبية أخرى في مقال «الشخصية اليهودية في الرواية الصهيونية»، الذي نُشر في الآداب عام 1963. في هذا المقال، يناقش كيف صوّر الروائيون الصهاينة الشخصية اليهودية بصفات خارقة وبطولات وهمية، ويرى أن هذه الصورة المُختلقة لليهودي البطل ستضعه أمام دور حضاري ينبغي أن يؤديه، رغم معارضة الشعوب له، مما يحوّله من طاغٍ إلى مُصلح، ومن شقيّ إلى أبٍ فاضل.

في روايته «رجال في الشمس»، لم يقتصر كنفاني على تصوير القضية الفلسطينية كصراع سياسي فقط، بل تناول جانبًا آخر من المعاناة يتمثل في التهجير والنزوح بحثًا عن لقمة العيش. فقدّم أربع شخصيات مختلفة في طباعها، لكنها تتقاسم هدفًا واحدًا: الوصول إلى بلد آخر بحثًا عن فرصة للحياة. ومن خلال هذه الرواية، أوضح أن المقاومة ليست مجرد صراع مباشر مع العدو، بل تمتد إلى صراع الإنسان مع الواقع والمصير.

أما في روايته الشهيرة «عائد إلى حيفا»، فقدّم نموذجًا إبداعيًا للمقاومة الفكرية، حيث تقوم الرواية على فكرة النبش في الماضي والصراع مع الآخر. واستخدم كنفاني لفظ عائد بصيغة النكرة، للدلالة على أن التركيز لا ينصب على شخصية بعينها، بقدر ما يتجه إلى الحدث الأساسي الأهم.

استحق كنفاني بجدارة لقب «صاحب الأدب المقاوم»، فقد ظلت أعماله الأدبية، من روايات وقصص قصيرة، متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية. أصدر 18 كتابًا، بالإضافة إلى مئات المقالات في الثقافة والسياسة ونضال الشعب الفلسطيني. وبعد اغتياله، أُعيد نشر جميع مؤلفاته العربية في طبعات متعددة، وجُمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته في أربعة مجلدات.

كانت حكاية الأديب المقاوم غسان كنفاني نموذجًا فريدًا لثقافة المقاومة، سواء من خلال كتاباته أو انخراطه في العمل السياسي. ومن الجدير بالذكر أن أسرته كانت جزءًا من هذه الحكاية، حيث استُشهدت معه ابنة شقيقته، لميس، عام 1972 في بيروت، إثر انفجار سيارة مفخخة على أيدي عملاء إسرائيليين. لكن قصة الأديب المقاوم لم تنتهِ باغتياله، بل بقيت حاضرة في وجداننا عبر إرثه الأدبي العظيم، الذي تركه لنا في أوراق وكلمات وسطور نابضة

بالمقاومة والأمل.