عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
حمزة نمرة... مهندس الصوت الشرقي بلغة عالمية
تقرير
المراية
منى حامد
5/30/20251 دقيقة قراءة


حمزة نمرة فنان يصعب اختزاله في مجرد مغنٍ بصوت دافئ وكلمات صادقة؛ فتميزه الحقيقي يكمن في مشروعه الموسيقي، الذي نجح من خلاله في إحداث مصالحة بين الشرق والغرب، بين التراث والحداثة، وبين ما نعرفه وما نتطلع إلى اكتشافه.
يقول كثير من النقاد إن نمرة أسّس مدرسة موسيقية هجينة، تعيد تعريف "الأغنية العربية البديلة"، عبر مزج مدروس بين الآلات الشرقية كالعود والناي، والأنماط الغربية كالجيتار الكهربائي والدرامز والباص جيتار، دون أن تفقد الأغنية هويتها الثقافية.
وُلد حمزة نمرة في 15 نوفمبر 1980 بمدينة جدة في السعودية لأبوين مصريين، قبل أن تعود العائلة إلى مصر وتستقر في الإسكندرية، المدينة التي أثّرت بعمق في نضجه الفني. بدأ حياته الموسيقية بتعلّم الجيتار والعود والبيانو، وأسس فرقته الأولى "Nomaira" مطلع الألفينات، قبل أن ينضم إلى فرقة "الحب والسلام" بقيادة نبيل البقلي، التي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل ذائقته الموسيقية. في عام 2008، أطلق ألبومه الأول "احلم معايا"، والذي كان بمثابة انطلاقة لمشروع فني لا يشبه سواه.
توليفة صوتية محسوبة بدقة
ما يميّز حمزة نمرة ليس فقط صوته الهادئ أو كلماته النابعة من نبض الشارع، بل أسلوبه الموسيقي القائم على "الهندسة الصوتية العاطفية": مزيج مدروس بين المقامات الشرقية والآلات الغربية، يُنتج توليفة قادرة على التعبير عن الحنين، والثورة، والغربة، والانتماء، في آنٍ واحد.
موسيقى تفهمك.. دون أن تغريك
ربما يكمن سرّ نجاح حمزة نمرة في هذا المزج الموسيقي في أنه لا يستخدم "الغرب" كإكسسوار تجميلي، بل يوظفه لتعزيز الفكرة والرسالة. فأغانيه لا تركض خلف الحداثة السطحية، بل تدمجها ضمن بنية موسيقية أصيلة. لذلك، تجد حتى من لا يفهم اللغة العربية يتفاعل مع موسيقاه، لأنه يشعر بالصدق والتوازن في التوزيع.
ولأنه فنان يُعلي من قيمة المضمون، فإن الشكل عنده لا يأتي استعراضيًا، بل في خدمة الفكرة. وهذا ما يجعل موسيقاه "حديثة" دون أن تكون "مقلدة"، و"عربية" دون أن تكون "منغلقة".
"داري يا قلبي": هندسة مشاعر
في واحدة من أشهر أغانيه، "داري يا قلبي"، نسمع افتتاحية بجيتار "أكوستيك" يُشبه الفولك الأمريكي، تُقابلها لاحقًا ضربات دفّ شرقية تقليدية، وجملة لحنية من مقام الكُرد. التوزيع بسيط، لكنه مشحون عاطفيًا، ويعكس صراع الإنسان بين الداخل والخارج، بين الحلم والخذلان.
"إنسان": التوازن الدقيق بين البارد والحار
في أغنية "إنسان"، يترك نمرة عمدًا مساحة للبيانو المنفرد، نغمة غربية ناعمة، تقاطعها آلات شرقية بتوزيع إلكتروني خفيف، مما يخلق حالة صوتية مزدوجة: الحداثة والدفء. الأغنية تسير على حبل رفيع بين البُعد الإنساني والتقني، دون أن تفقد روحها.
"ريميكس": التراث بمنطق عالمي
في عام 2016، أطلق نمرة برنامج "ريميكس" عبر قناة "التلفزيون العربي"، وهو مشروع موسيقي أعاد فيه إحياء عشرات الأغاني التراثية من اليمن، السودان، المغرب، وفلسطين، من خلال إعادة توزيعها بأسلوب عصري يمزج بين الجاز، والروك، والفيوجن، والموسيقى الإلكترونية.
"خليلي" المغربية و"يا ظريف الطول" الفلسطينية
في "خليلي"، يدمج نمرة الإيقاع المغربي الشعبي ببانوراما صوتية قريبة من موسيقى الـIndie Western، أما في "يا ظريف الطول"، فيضيف عناصر من موسيقى الروك الحديثة والـDubstep، بشكل يجعل التراث وكأنه يُولَد من جديد.
لا يركض خلف الترند.. بل يصنعه
في زمن تصنع فيه الخوارزميات نجومية لحظية، يتأنّى حمزة نمرة. لا يصدر ألبومًا كل عام، ولا يُغرِق السوق بالإصدارات، لكنه يُنتج أعمالًا تتطلب التفكير، وتترك أثرًا طويل المدى.
فهو لا يستخدم "الغرب" كزينة صوتية، بل يوظف عناصره بذكاء تقني ومعرفي يخدم الرسالة ولا يسطّحها. توزيعاته ليست استعراضية، بل "مبرمجة عاطفيًا"؛ تُخلَق من القلب وتُعزف للعقل.
تأثيره الرقمي
"داري يا قلبي": أكثر من 400 مليون مشاهدة على يوتيوب
"فاضي شوية": ترند عالمي بترجمة جماهيرية، رغم بساطة التوزيع
اختارته مجلة "فوربس الشرق الأوسط" ضمن أكثر 100 شخصية عربية تأثيرًا عام 2017
نمرة لا يملك جيشًا إعلاميًا، لكنه يملك "جيشًا وجدانيًا" من المستمعين، الذين يرونه صوتًا ناطقًا بآلامهم وطموحاتهم، بلا شعارات.
خاتمة
ما يجعل حمزة نمرة حالة خاصة، هو أنه لا يطارد الحداثة كموضة. ففي كل أغنية، تسمع شيئًا مألوفًا... لكنك لا تستطيع تحديده بدقة. هو يذكّرك بجذورك، لكنه يأخذك إلى آفاق جديدة. يوظّف كل آلة، وكل نغمة، وكل تفصيلة، في خدمة رسالة عميقة تؤدي وظيفة فكرية أو عاطفية، لا مجرد ديكور صوتي.
لذلك، تُسمع أغانيه في المنازل، والمقاهي، والجامعات. وتجد جمهورًا من مختلف الأعمار يردّدها، رغم بساطة توزيعها الظاهرية.
هو نغمة وسط الضجيج. مزيج لا يتكرر. صوت شرقٍ يعيش في غرب. وموسيقار يؤمن أن الهوية ليست قيدًا... بل جسرًا.