عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

إدوارد سعيد: المثقف الذي قاوم الاستعمار بالكلمة

تقرير

المراية

نورهان عادل

4/15/20251 دقيقة قراءة

في عالم الفكر والنقد والثقافة، هناك شخصيات لم تكتفِ بأن تشرح الواقع، بل أعادت تشكيل الطريقة التي نراه بها.

إدوارد سعيد كان واحدًا من هؤلاء، مثقفًا، ومناضلًا، وناقدًا أدبيًا، وُلد بين الشرق والغرب، ليقضي حياته محاورًا بينهما، ناقدًا للصور النمطية التي رسمها الاستعمار عن شعوب الشرق.

هو صاحب كتاب الاستشراق الذي زلزل أسس الفكر الغربي، والمثقف الفلسطيني الذي لم يتنازل عن قضيته رغم محاولات التهميش.

النشأة بين عالمين: هوية معقدة وبحث دائم عن المعنى

وُلد إدوارد سعيد في 1 نوفمبر 1935 في القدس، لأبٍ فلسطيني وأمٍ لبنانية، نشأ في القاهرة وتلقى تعليمه في مدارس إنجليزية، ثم سافر لاحقًا إلى الولايات المتحدة ليُكمل دراسته العليا في الأدب.

الهوية المزدوجة، الممزقة أحيانًا، بين الشرق والغرب، بين العربي والمسيحي، بين الفلسطيني والمثقف الغربي، كانت جزءًا من تكوينه النفسي والفكري، ووقودًا دائمًا لأعماله النقدية.

"الاستشراق": الكتاب الذي غيّر مسار العلوم الإنسانية

في عام 1978، أصدر سعيد كتابه الأشهر الاستشراق، وفيه كشف كيف أن الغرب صاغ صورة "الشرق" – العربي والإسلامي والآسيوي – ليس كما هو، بل كما يخدم مصالحه الاستعمارية والثقافية.

أظهر أن الأدب والفن وحتى البحث الأكاديمي لم تكن محايدة، بل أدوات لصناعة صورة دونية عن الشرق، تبرّر الاستعمار والتفوق الأوروبي.

لم يكن الكتاب مجرد نقد ثقافي، بل أصبح مرجعًا تأسيسيًا في دراسات ما بعد الاستعمار، وغيّر الطريقة التي يُدرَّس بها التاريخ والأدب في الجامعات حول العالم.

صوت فلسطين في الغرب

رغم مكانته الأكاديمية الرفيعة في جامعة كولومبيا بنيويورك، لم يفصل سعيد بين دوره كمفكر ودوره كمناضل.

دافع عن القضية الفلسطينية بقوة في المحافل الغربية، وكتب مقالات نارية في الصحافة الأمريكية، منتقدًا الاحتلال الإسرائيلي والانحياز الإعلامي للغرب.

ورغم تعرضه لهجمات شرسة من أنصار إسرائيل، لم يتراجع، بل ظل صوته نادرًا وقويًا، لأنه كان يعرف كيف يخاطب الغرب بلغته ويكشف تناقضاته.

المثقف كصوت مقاوم

في كتابه تمثيلات المثقف، وصف سعيد المثقف الحقيقي بأنه "المنفي"، منفي من المؤسسات، من الإجماع، ومن الراحة الفكرية.

كان يؤمن أن دور المثقف هو الإزعاج، لا التبرير، أن يقف مع الحقيقة، لا مع السلطة، أن يقول ما يجب قوله، لا ما يُنتظر منه قوله.

الرحيل والإرث الثقافي

توفي إدوارد سعيد في 25 سبتمبر 2003 بعد صراع طويل مع مرض اللوكيميا.

رحل وهو يحمل في داخله فلسطين، ويسكنه سؤال العدالة الثقافية والسياسية.

لكن إرثه لم يمت، لا يزال كتاب الاستشراق يُدرَّس في جامعات العالم، وتُستخدم أفكاره في تفكيك العلاقة بين القوى العالمية والثقافات المهمَّشة.

لم يكن فقط ناقدًا أدبيًا، بل ضميرًا فكريًا لعصر ما بعد الاستعمار، وصوتًا جسَر الهوّة بين حضارتين.

على خطى سعيد: مثقفون واجهوا العالم برؤية نقدية

لم يكن إدوارد سعيد وحده في ساحة المواجهة الفكرية، بل تبعه عدد من المفكرين الذين عاشوا تجارب المنفى والهوية المعقدة، وسعوا لتفكيك خطاب الهيمنة الغربية.

منهم المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي، والكاتبة الهندية غياتري سبيفاك، والإيراني حميد دباشي، الذين أسسوا مع سعيد مدرسة نقدية عابرة للحدود، تفضح الاستعمار الجديد وتُعيد الاعتبار للهويات المهمَّشة.

ومن العالم العربي، برزت أسماء مثل المغربي عبد الله العروي، والتونسي هشام جعيط، والمغربي محمد عابد الجابري، الذين أعادوا قراءة التاريخ والفكر العربي من زوايا نقدية تحررية.

جميعهم، مثل سعيد، رأوا في الكلمة أداة مقاومة، وفي الفكر ساحة صراع من أجل العدالة.