عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
إمام على خط النار: الشعراوي بين تأييد الشعوب وانتقاد النخب
تقرير
خط النار
سهيلة محمود
5/17/20251 دقيقة قراءة


لم يكن مجرد شيخ يفسر القرآن أو داعية إسلامي ينشر تعاليم الإسلام، بل كان صوتاً للعقل والوسطية في زمنٍ علا فيه ضجيج التطرف والانفتاح المبالغ فيه، انطلقت كلماته من دقادوس إلى قلوب ملايين الناس في مصر والوطن العربي، تميز بشعبية كبيرة في قلوب المصريين خاصة، ولكن اتهمه البعض الآخر بالتشدد، وبالرغم من توقف برنامجه التلفزيوني أكثر من مرة، إلا أنه استمر في دعوته المتوازنة بين الدين ومتغيرات العصر.
من هو؟
ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي بقرية دقادوس، مركز ميت غمر، دقهلية، في 15 أبريل 1911، ترك المنصب السياسي كوزيرٍ للأوقاف في عهد الرئيس السادات وتفرغ للدعوة، وكانت له مكانة كبيرة في قلوب المسلمين بمصر والعالم العربي والإسلامي، لتناوله نصوص القرآن والسنة بشكل مبسط ومفهوم للمواطن العادي غير المتخصص.
ورغم بساطة تفسيراته المؤثرة والجاذبة، والمستندة فيها إلى واقع الحياة اليومية، إلا أنه لاقى معارضة واتهامات، خاصة من الشباب المتأثر بالثقافة الغربية، وبعض المثقفين وأصحاب الاتجاهات الإسلامية المنفتحة، في تناوله لبعض القضايا مثل: تحرير المرأة المطلق، وحدود تطبيق الشريعة الإسلامية، والعدل الاجتماعي والمساواة، اتهموه بأن مواقفه متشددة وتؤيد فكر بعض الشباب المناهض للنظام السياسي، واتهمه البعض بأن أفكاره تقليدية وجامدة، لا تواكب تغيرات العصر السريعة والمنفتحة على العالم.
رسائل بين السطور
تحدث الشيخ الشعراوي في إحدى حلقاته التلفزيونية عام 1979 عن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ووجه رسالة للحكام بأن يطبقوا العدالة في شعوبهم، لأن عدم تطبيق العدل، الذي هو أساس الملك، سيجعل الشعوب تثور عليهم وتفقدهم هيبتهم، أُذيعت هذه الحلقة مرة واحدة فقط، وتوقف بثها لمدة 33 عاماً، حتى أُعيد بثها عام 2012 مع ثورات الربيع أو الخريف العربي، أي بعد وفاته بـ14 عاماً، فلم تكن رسالة إرهاب أو تطرف أو تحريض، وإنما نصيحة من داعيةٍ لله وأمرٌ بالمعروف، ووقتها فهمها بعض المثقفين على أنها تأييد لفكر الشباب الثائر المعارض سياسياً لنُظم الدول في تلك الفترة، فهماً خاطئاً.
موقف الشعراوي من تحرر المرأة يثير الجدل
كان رأيه في تناوله لقضايا مثل (تحرير المرأة بصورة مطلقة) أن تحافظ المرأة على دورها ومكانتها الطبيعية في المنزل، ولا يجب تقليص دورها أو نقله إلى مؤسسات أخرى تقلل من دورها كأم وزوجة، ومن تحقيق الدور الأسمى في التربية وبناء الأمة، فاتهمه النقاد والمنفتحون على ثقافة الغرب بأن نظرته تقليدية وجامدة، ولا تواكب مقتضيات العصر، وينتقص من حق المرأة كإنسان.
وتناول الشيخ قضية تطبيق الشريعة الإسلامية في حل كثير من المشكلات والأزمات، لأنها تنفيذ لمراد الله، الذي هو أدرى بمن خلق، وهو اللطيف الخبير، من ردع للظالم وأمان للضعيف، وليست القوانين الوضعية، وخاصة أن الدستور المصري يؤكد أن الدولة المصرية جمهورية، ودينها الرسمي الإسلام، فلاقى سيلاً من الهجوم والاتهامات بأن أفكاره تميل إلى العنف والتطرف، وتخدم جماعات التطرف الديني التي نشطت في تلك الفترة.
توقف برنامجه التلفزيوني
في الفترة الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي، وقبل وفاته، توقف بث حلقاته التلفزيونية التي كان يتم بثها بشكل منتظم أسبوعياً بعد صلاة الجمعة مباشرة، وتغيرت جداول برامج التلفزيون، وأُهملت مكتبة ماسبيرو العديد من شرائط حلقاته التلفزيونية، مما أدى إلى تلف بعضها وصعوبة إعادة بثها، ولكن تتوفر تسجيلات حلقات "خواطر الإمام" عبر المنصات الرقمية والإنترنت.
وكان للشيخ الشعراوي ردود على تلك الاتهامات، مؤكداً أنه ينشر الوعي الديني المعتدل الوسطي، الموافق للكتاب والسنة، بعيداً عن الإرهاب والتطرف والغلو في الدين، وبشكل مبسط يستشهد فيه من وقائع الحياة المعاصرة، ويجب على كل مسلم يريد مسايرة العصر أن يلتزم بثوابت الدين، ولا يخرج على المعتقدات الأساسية، فيعلم حدود ما أنزل الله من أوامر ونواهٍ، كما رفض الشيخ استخدام الدين كأداة للسياسة أو العنف، وكان له الكثير من المؤيدين إعلامياً، مقارنةً بمعارضي فكره من الكُتّاب والمثقفين ممن تبنوا الانفتاح على ثقافة الغرب واندماج الثقافات والتحرر من أي قيد.
إرث لا يُنسى
لكن هذه الهجمات الإعلامية والاتهامات لم تؤثر على مكانته ورصيده الشعبي الكبير بمصر والعالم العربي، وظل على مواقفه الثابتة حتى توفي في 17 يونيو 1998 عن عمرٍ يناهز 87 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً كبيراً من العلم الديني، تفسيرات وأحكام وفتاوى تُدرس حتى الآن بمناهج المعاهد الأزهرية، وصفوف ومراحل التعليم العام والفني، لاعتدال تفسيراته وبساطة عرضها، وفهم أعمق للحياة اليومية ومشكلاتها، رحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي، وجزاه أوفى الجزاء.