عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
إسعاد يونس... الوحدة كقوة ناعمة
تقرير
المراية
شمس ابوغنيمة
4/13/20251 دقيقة قراءة


في مثل هذا اليوم، 12 أبريل، وُلدت إسعاد يونس، امرأة خُلقت من قماش نادر، تمزج فيه بين الذكاء الحاد والهدوء الحذر، وبين الضحكة المريحة والصمت الصاخب.
على مدار عقود، قدمت نفسها للمجتمع المصري والعربي كصوت ناعم وسط زحام الضجيج، ممثلة، منتجة، كاتبة، إعلامية، ولكن في الجوهر، كانت دومًا شيء آخر: امرأة تمارس الوحدة بطريقتها، وتحوّلها إلى سلطة خفية.
هذه ليست قراءة رومانسية لشخصية إعلامية ناجحة، بل محاولة جادة لفهم كيف بنت إسعاد يونس إمبراطوريتها الداخلية والخارجية، دون ضجيج، دون أن تتكئ على شريك، ودون أن تسعى خلف "الشهرة السريعة" التي احترقتها أجيال كاملة.
فما هو سر هذه المرأة؟ ولماذا يشعر كل من يراها أنها تعرف ما لا يُقال؟
حين تكون العزلة خيارًا
نشأت إسعاد يونس في بيت بسيط، وسط أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، في زمن كانت فيه الثقافة هي السلعة الأهم داخل البيوت.
والدها كان طيارًا حربيًا، ووالدتها كانت تُدير مؤسسة رعاية للأيتام، وهو ما منحها من الطفولة شعورًا بالمسؤولية، وقوة الصمت.
درست الإرشاد السياحي في كلية الآداب، وهو اختيار لم يكن عشوائيًا، بل علامة على شغفها بالثقافة والتاريخ ورغبتها في معرفة ما وراء السطح.
بدايتها في التمثيل لم تكن خاطفة ولا صاخبة، لعبت أدوارًا مساعدة، ثم بدأت تُلفت الأنظار بأدائها الطبيعي و"الدم المصري الثقيل" الذي لا يُصنع.
لكنها لم تتوقف كثيرًا عند أدوار البطولة، وكأنها كانت ترى أن الكاميرا ليست نهاية الطموح.
اختفت، ثم ظهرت مرة أخرى كمنتجة، ثم اختفت، وكتبت، ثم اختفت، وعادت بـ"صاحبة السعادة"، لا كإعلامية، بل كصاحبة مشروع وجداني.
هذا التكرار في الانسحاب والعودة، لم يكن ترددًا، بل استراتيجية حياة، إسعاد لا تتحرك إلا حين تُدرك تمامًا ماذا تريد أن تقول، وكيف.
الزوج السابق ظلّ في الخلفية، لكنها تقدمت وحدها
تزوجت إسعاد يونس من رجل الأعمال الفلسطيني-الأردني علاء الخواجة، وهو زواج لم يُعمّر طويلًا، وخرجت منه بابن واحد هو "نور".
لكن المفارقة أن الخواجة نفسه تزوج لاحقًا من الفنانة شريهان، ما جعل كثيرين يتخيلون وجود خلافات أو ضغينة.
لكن إسعاد التزمت الصمت، ثم عادت لتُنتج مسلسل "دمي ودموعي وابتسامتي" لشريهان، وكأنها تُعلن أن العلاقات لا تُقاس بالحب فقط، بل بالكرامة.
قليلون فقط يعرفون أن إسعاد اختارت ألا تتزوج بعدها، رغم مكانتها، وشهرتها، وعلاقاتها الواسعة.
هذا القرار، وإن بدا شخصيًا، لكنه في الحقيقة يكشف عن جوهر شخصيتها، امرأة تؤمن أن الاستقلال لا يحتاج إلى تبرير، وأن الوحدة، إذا ما سُكنت من الداخل، يمكن أن تكون وطنًا لا منفى.
صاحبة السعادة.. مشروع حياة لا برنامج
في عام 2014، أطلقت إسعاد برنامج "صاحبة السعادة".
لم يكن مجرد "توك شو"، بل محاولة واعية لصناعة حالة ثقافية – اجتماعية، تُرمم ما تهدم في الوجدان المصري بعد سنوات طويلة من التآكل.
البرنامج ركّز على الهوية، الذوق، الذاكرة، التفاصيل التي هجرها الإعلام الحديث.
كانت تحاور ضيوفها وكأنها تعيد إليهم أنفسهم المنسية، لا تسعى وراء سبق صحفي، بل وراء لحظة صدق.
اللافت أن معظم حلقاتها الناجحة لم تكن مع "الترند"، بل مع الفنانين القدامى، الحرفيين، أصحاب المهن الشعبية.
وكان شعارها الضمني: "السعادة في التفاصيل، لا في العناوين".
صديقة الظلال
الذين يراقبون إسعاد يونس عن قرب، يعرفون أنها لا تُكثر من الظهور في الحفلات، ولا المناسبات العامة.
لا تظهر في أفراح الوسط الفني، ولا تُجامل أحدًا بكلمة لا تقصدها.
حتى في السوشيال ميديا، نادرة المنشورات، وحذرة في العبارات.
وكأنها قررت أن تكون "صوتًا لا صدى له"، أن تحضر بثقلها لا بسطحها، وأن تترك أثراً يدوم لا صدى يمرّ.
هل الوحدة ضعف؟
في أحد اللقاءات، قالت جملة عابرة، لكن مريرة:
"أنا بطبيعتي شخصية بتحب تكون لوحدها.. حتى لما بحس إني محتاجة حد، بحب أكون محتاجة بصمت."
ربما كانت تلك الجملة هي المفتاح، إسعاد لم تتخلَّ عن الناس، لكنها اختارت مسافة تحفظ بها كيانها.
لم تهرب من الحب، لكنها اختارت ألا تُصبح أسيرة لأي حالة عاطفية تُهدد استقرارها.
وفي تلك المسافة، وفي هذا الصمت، بنت كل شيء.
في عيد ميلادها: ماذا تُعلّمنا إسعاد؟
تُعلّمنا أن السعادة لا تُمنح، بل تُصنع.
أن الوحدة ليست ضعفًا، بل قد تكون أكثر الأشكال نقاءً من القوة.
أن من يعرف نفسه حقًا، لا يحتاج لإثبات أي شيء لأحد.
تُعلّمنا أن الأناقة ليست في الثياب، بل في الفِكر، وأن البصمة الحقيقية تُترك بصمت، لا بضجيج.
في عيد ميلادها، لا نحتفل بعمر، بل بمسيرة.
لا نُطفئ شمعة، بل نُضيء فصلًا جديدًا من حكاية امرأة قررت أن تكون صاحبة القرار، وصاحبة الفكرة، وصاحبة السعادة… حتى وإن اختارت أن تسير وحدها.
"أنا مش لوحدي، أنا معايا نفسي... ونفسي عشرة حلوة."
– إسعاد يونس