عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

جبران خليل جبران.. إرثٌ فكريٌّ وروحيٌّ خالد

تقرير

المراية

منار تامر

4/10/20251 دقيقة قراءة

في العاشر من أبريل كل عام، تتجدد ذكرى رحيل جبران خليل جبران، ذلك الكاتب والشاعر والفنان الذي تخطّت كلماته حدود الزمن، ولامست أعماق الروح البشرية.

وُلد جبران في بلدة بشري شمال لبنان عام 1883، لكنه لم يلبث أن هاجر مع أسرته إلى الولايات المتحدة في صباه، وهناك تفتحت عيناه على عالم جديد من الفكر والفن، ليصبح فيما بعد واحدًا من أعمدة الأدب المهجري، وأكثر الكتّاب العرب تأثيرًا وانتشارًا عالميًا.

«جبران.. بين الشرق والغرب»

كان جبران ابن الشرق في روحه، وابن الغرب في أدواته، فقد حمل في قلبه عبق الأرز، وفي كلماته نفحات الحكمة الصوفية، لكنه كتب بالإنجليزية كما كتب بالعربية، ليصوغ رؤية إنسانية شاملة، تضع الإنسان في مركز الكون، وتحتفي بالحرية، والحب، والجمال.

مزج جبران بين الفلسفة والشعر، وبين الفن والتأمل، كان يرى الكلمة كائنًا حيًا، لا تُكتب إلا بدم القلب، ولذلك جاءت نصوصه مشحونة بالعاطفة، مليئة بالرموز، مشبعة بالروحانية.

«إرث لا يزول»

رغم مرور 94 عامًا على رحيله، لا تزال كتابات جبران تنبض بالحياة، نقرأه اليوم كما لو أنه يكتب لنا الآن، لأنه لم يكن مجرد كاتب، بل كان رسول فكرة، وناسك كلمة، وشاعر روح.

ولعلّ من أبرز أعمال جبران خليل جبران التي شكّلت ملامح فكره وروحه، وانتشرت في العالم بقوّة تأثيرها وعمق معانيها، فجمع فيها بين الشعر والفلسفة، وبين التجربة الشخصية والهمّ الإنساني.

"النبي".. الكتاب الذي عبر القارات

أبرز أعمال جبران، وأكثرها شهرة وانتشارًا، هو كتاب "النبي" The Prophet الذي كتبه بالإنجليزية عام 1923، فكان أشبه بوصية فكرية، وديوان حبٍّ كونيٍّ، ورسالة روحية عابرة للأديان والطوائف.

يتحدث "النبي" عن الحياة والموت، الحب، الزواج، الحرية، والمعرفة، بلغة تشبه الترانيم وتلامس أرواح القرّاء كما لو كانت صلاة سرّية.

"الأجنحة المتكسّرة".. أنشودة الحب الحزين

أما في "الأجنحة المتكسّرة"، التي كتبها بالعربية عام 1912، فنحن أمام قصة حبّ خالدة، بين جبران والشابة "سلمى كرامة"، تعكس مرارة القيود الاجتماعية والدينية، وتكشف عن توق الكاتب لتحرير الإنسان من سلطة العادات والتقاليد.

كتبها بأسلوب شعري رقيق، يكتب جبران عن ألم الفقد، وانتصار الروح على الظلم.

"رمل وزبد".. حكمة الحياة في ومضات

في كتابه "رمل وزبد"، يقدّم جبران سلسلة من التأملات والأقوال المأثورة التي تشبه الحكم الخالدة.

يقول: "لقد وُلدت مع فجر هذا اليوم، وعيّنت لنفسي أن أموت مع غروب هذا المساء"، عبارة واحدة كافية لتلخيص عمق رؤيته للزمن والحياة.

«الكلمات وريشة الروح»

لم يكن جبران كاتبًا فحسب، بل رسامًا أيضًا، وقد اعتبر الرسم امتدادًا للروح كما الكتابة.

لوحاته تحمل بصمته الفلسفية والروحانية ذاتها، وغالبًا ما تصور الوجوه الغامضة، والملائكة، والأرواح التائهة، وكأنها مرآة للبعد الآخر من الوجود.

«بين المهجر والحنين»

عاش جبران في المهجر، لكنه ظل يحمل وطنه في قلبه.

أسّس مع زملائه في رابطة القلم المهجري مثل ميخائيل نعيمة، مدرسة فكرية جديدة جمعت بين الأصالة والتجديد، بين الشرق الروحي والغرب العقلاني، فكانت أعماله صوتًا للإنسان العربي التوّاق للحرية، والجمال، والانعتاق.

يبقى جبران خليل جبران واحدًا من أعظم أعمدة الفكر والأدب، الذي عبّر عن الإنسان بكل ما فيه من تناقضات وأحلام، ونجح في رسم أفقٍ ثقافي يربط بين الشرق والغرب.

كلماته، التي سطّرها بيدٍ من روح، ما زالت تتردد أصداؤها في القلوب والعقول، شاهدةً على عبقرية فكرية لم تعرف الحدود.

رحل جسد جبران، لكن أعماله لا تزال تضيء دروب الفكر،

حاملةً رسالة خالدة عن الحرية، الجمال، والإنسانية.