عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
كرم السني.. "الراوي الطيني" الذي أعاد الحياة إلى تراث مصر الفخاري
مقال
المراية
بيجاد محمد النقيب / الرئيس التنفيذي لحملة " كنوز "
4/26/20251 دقيقة قراءة


في قلب منطقة مصر القديمة، وتحديدًا داخل قرية الفواخير، يقف كرم السني كأحد أبرز رموز الحرف اليدوية المصرية، حاملاً على عاتقه إرثًا طويلًا من فن صناعة الفخار الذي يمتد عبر آلاف السنين في عمق الحضارة المصرية، حيث تشهد أنامله على قصة ممتدة بين الطين والنار، بين الصبر والإبداع.
منذ نعومة أظافره، اختار السني أن يسلك هذا الطريق الصعب، مؤمنًا بأن الحفاظ على الفخار ليس مجرد مهنة بل رسالة، فظل لسنوات طويلة أحد القلائل الذين يتشبثون بفنٍ كاد أن تبتلعه عجلة الصناعات الحديثة، وصار بين أبناء الحرفة يُعرف بلقب "الراوي الطيني"، إذ تحكي كل قطعة يخرجها من بين يديه قصةً نابضة بالتراث المصري الأصيل، من طواجن الطهي التي تحافظ على نكهة الأجداد، إلى الزهريات المزخرفة التي تحمل بين طياتها نفحات من الفن الفرعوني العريق.
في ديسمبر 2021، وبينما كانت قرية الفواخير تستقبل زيارة مفاجئة للرئيس عبد الفتاح السيسي، لفت كرم السني الأنظار إليه، حين تحدث مع الرئيس مباشرة عن معاناة صناع الفخار، مشيرًا إلى نقص الغاز والكهرباء، وغياب الأدوات الحديثة التي تعينهم على الاستمرار، لم يتردد الرئيس في وعده بحلول عاجلة، في مشهد وصفه السني لاحقًا بأنه "ولادة جديدة"، إذ قال: "حسيت كأني اتولدت من تاني لما لقيت الرئيس بيكلمني وبيقولي عنيا ليك"، وهي اللحظة التي أثارت تفاعلاً واسعًا في وسائل الإعلام، وسلطت الضوء مجددًا على معاناة أصحاب الحرف التقليدية، التي ظلت لسنوات طويلة خارج دائرة الاهتمام.
قرية الفواخير، تلك القلعة التاريخية التي تضم نحو 152 فاخورة، كانت تعاني من الإهمال لسنوات، إذ بدأ مشروع تطويرها عام 2005 بتكلفة إجمالية تخطت المئة مليون جنيه، بالتعاون مع وزارات البيئة والتعاون الدولي والإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع، إلا أن المشروع تعثر طويلاً قبل أن تنجح الدولة مؤخرًا في دفعه نحو النور، حيث جرى استكمال توصيل المرافق الحيوية من مياه وغاز وكهرباء وصرف صحي، كما تم تركيب أفران غاز حديثة أكثر أمانًا للبيئة، مع تطوير البنية التحتية، وطلاء الواجهات، وتجهيز مساحات خضراء تضفي على المكان روحًا جديدة، فيما جرى أيضًا تقنين أوضاع الحرفيين العاملين بالقرية لضمان استقرارهم.
ولأن كرم السني لا يرى في الفخار مجرد وسيلة للعيش، بل يعتبره ثقافة وهوية تستحق أن تُورث، سعى إلى نقل خبراته المتراكمة إلى الأجيال الجديدة، حيث يعمل على تدريب الشباب داخل مدرسة تطبيقية بالقرية نفسها، مؤمنًا بأن استمرارية هذه الحرفة تتطلب أن تبقى جذورها ضاربة في الأرض، حتى في ظل هيمنة الصناعات الحديثة، وزحف الآلات، وطغيان المنتجات السريعة، وهو يرى أن لكل قطعة فخارية روحًا لا تمنحها المصانع، بل يسكبها الحرفي بإخلاصه وحبه للطين.
كرم السني ليس مجرد صانع أواني من الفخار، بل هو سفير لتراث مصر الحي، وجسر يربط الماضي بالحاضر، وصوت ينطق بلسان الحرفيين المنسيين، في زمن يحتاج فيه الوطن إلى كل يد تصنع وتحافظ وتروي حكاية الأصالة، إن قصته ليست مجرد قصة صمود فردي، بل شهادة حية على أهمية الحفاظ على التراث، ودعم كل من يرفع شعلة الهوية المصرية فوق رأسه رغم كل التحديات.