عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

كريم الشناوي ومريم نعوم.. ثنائي يحتاجه المجتمع

مقال

باروميتر

محمد أكرم

4/1/20251 دقيقة قراءة

بدايةً من النصف الثاني من شهر رمضان الكريم، عُرض مسلسل "لام شمسية" من بطولة أمينة خليل وأحمد السعدني ومحمد شاهين. المسلسل من كتابة مريم نعوم، ذات التاريخ الطويل في كتابة المسلسلات التي تهتم بقضايا المجتمع التي لا يقتحمها الكثيرون، ومن إخراج كريم الشناوي، الذي حفر اسمه كواحد من أفضل صُنَّاع الدراما في مصر في السنوات القليلة الماضية، حيث أخرج عددًا من المسلسلات المهمة مثل "خلي بالك من زيزي" و"الهرشة السابعة". ارتفعت التوقعات قبل عرض المسلسل بعد إعلان أسماء فريق العمل الذي يجمع بين أفضل صانعي الدراما في الوطن العربي.

يعرض المسلسل قضيةً من أهم القضايا المجتمعية المثارة مؤخرًا، وهي الاعتداء الجنسي على الأطفال، وهي قضية شديدة التعقيد والخطورة. الأهم من القضية هو طريقة عرضها، حيث تناول المسلسل الموضوع بكل دقة، مراعيًا خطورته. بدأ المسلسل بحدث جلل صدم الأسرة المكوَّنة من الأب والأم وابنين، أحدهما ابن الزوج فقط، والذي كان اسمه يوسف ويؤدي دوره الممثل المحترف والبارع علي البيلي. ترى زوجة الأب (نيلي) من خلف زجاج الغرفة صديق الأسرة المقرَّب (وسام) وهو يحتضن يوسف بطريقة مريبة، مما يقود نيلي إلى الانفجار والاستغاثة بالأب (طارق)، الذي ينقض بدوره على صديقه، فيفقد الأخير الوعي إثر ضربة قوية، ويدخل وسام في غيبوبة تاركًا أبطال المسلسل أمام معضلة أخلاقية عظيمة.

تناول المسلسل القضية من زاوية شديدة الحساسية، حيث اختار صُنَّاعه أن يكون المتحرش شخصيةً مقرَّبة من الأسرة، بشكل لا يجعله مصدرًا للشك أو القلق، بل أُسندت إليه وظيفة أكثر تعقيدًا؛ فهو أستاذ جامعي ومدرِّس لغة عربية للأطفال، وهي وظيفةٌ كانت كافيةً لتكون غطاءً على أفعاله التي كان يغذِّي بها شهوته المريضة. الأمر الذي زاد القضية تعقيدًا هو أن الشاهد الوحيد على الواقعة ليست أمَّ الطفل، بل زوجة أبيه، مما جعلها محل اتهام، حيث إنها أيضًا لم تشاهد الواقعة بأمِّ عينها. هكذا، صنعت أولى حلقات المسلسل تركيبة معقدة من المعضلات الأخلاقية التي انزلق إليها المشاهد، متسائلًا: هل وسام الجاني فعلًا، أم أنه مجني عليه وملازمٌ لفراش الغيبوبة نتيجة اتهام باطل؟ هذه المعضلات هي واقع يعيشه كثيرون ممن يتعرضون للتحرش يوميًا، وبالأخص عندما يكون المتحرش مقرَّبًا للأسرة. ويصبح السؤال المطروح: هل هذا تحرش أم مجرد تعبير عن الحب، يفعله أي إنسان يحب الأطفال ويلاعبهم بلطف؟ بل إن المجني عليه يصبح متهمًا في كثير من الأحيان بالجنون والتعقيد والأمراض الذهنية والنفسية كلها، لأن المتحرش غالبًا ما يكون شخصيةً مثالية، تدعم المقربين منه، ملاكًا يمشي على الأرض، مثالًا يُحتذى به في الأخلاق والكرم، مما يجعل تصوُّرَ أن هذا الملاك يقوم بأفعال شيطانية أمرًا لا يُصدَّق.

المسلسل يُعتبر تحديًا إخراجيًا، حيث إن تناول قضية بالغة الحساسية كهذه في مجتمعٍ مثل المجتمع المصري، وفي ظل ظروف رقابية شديدة التعقيد والجمود، يجعل إخراج المسلسل أشبه بعملية استئصال ورم خبيث في المخ. لكن كريم الشناوي (مخرج المسلسل) أجاد دور الجراح بامتياز، ونجح مشرطه في إنجاز المهمة بنجاح. كان ذلك من خلال استخدام طريقة تصوير وإضاءة تضع المشاهد تحت ضغط نفسي عميق، بل تجعله واحدًا من أبطال المسلسل وشاهدًا على القصة. ببساطة شديدة، اختار كريم أن يكون المشاهد جزءًا من الأحداث، يعلم ما يعلمه الأبطال، يقف معهم ويفكر في الأسئلة نفسها التي يطرحونها، بل نجح في أن يجعل المشاهد مخلصًا للأبطال ومهمومًا بمشكلاتهم، وهذا نجاح باهر في إخراج المسلسل. أما القرار الأهم فكان البعد عن استخدام تقنية الارتداد الزمني أو "الفلاش باك"، التي تأخذ المشاهد وتضعه في نطاق زمني قديم ليكشف أحداثًا لا يعلمها أحد إلا هو، مما يمنحه سلطةً على المسلسل تفقده إحساس الانتماء إلى أبطاله. كان يمكن استخدام هذا الخط الدرامي لإيصال رسالة المسلسل بطريقة أسهل وأقل تعقيدًا، لكنه اختار طريقًا أصعب ليقدِّم وجبةً دراميةً متكاملة.

ولأن القضية المطروحة في المسلسل حساسةٌ كما ذكرنا أكثر من مرة، كان تدخُّل الرقابة أمرًا حتميًا. لاحظ المشاهدون تغييرًا في أسلوب المسلسل في عرض قضيته، خاصةً في الحلقتين الأخيرتين، بل إن بعض الخيوط الدرامية الواضحة تغيَّرت بشكل ملحوظ، ومنها علاقة (وسام) بابنته وزوجته. فقد ألمحت الكاتبة مريم نعوم في الحلقات الأولى إلى أن وسام قد قام بأفعاله المريضة مع ابنته، مما دفع زوجته إلى وضع كاميرا لمراقبة ابنتها في الغرفة، لكن هذا الخط الدرامي الهام دُفن بفعل الرقابة. بل إن مشاهد المحكمة، التي صُوِّرت تقريبًا قبل عرض الحلقات بساعات مما أدى إلى تأخير عرضها في سابقة لم يَرَها المشاهد المصري من قبل، ظهرت ركيكة وهشَّة تميل إلى الخطابية أكثر من كونها درامية. بالإضافة إلى ذلك، كانت الأحداث داخل المحكمة متوقعةً أو كما يسمِّيه نقاد الدراما "كليشيه". أما المفاجأة الأكبر للجمهور، فكانت ختام المسلسل بالنشيد الوطني السابق "إسلمي يا مصر"، بدلًا من استخدام الأغنية التي أُعدَّت خصيصًا للمسلسل، والتي عُرضت بشكل منفصل بعد انتهاء الحلقة. وهنا يبرز تساؤلٌ مهم: إلى متى ستتحكم الرقابة بهذا الشكل الذي يخل بالأعمال الدرامية المهمة؟ والسؤال الأهم: ما مصلحة الرقابة في التشويش على مسلسلٍ بهذه الأهمية، يتناول قضايا تمس الأمن القومي للبلاد؟ فالأطفال وصحتهم النفسية والجسدية هم أمن مصر القومي، والوقود الذي يحرك البلاد إلى مستقبلٍ نأمل أن يكون أفضل. فهل ندفن رؤوسنا في رمال الرقابة، أم نواجه ونناقش ونعمل على توعية المجتمع حرصًا على مستقبل أولادنا وبلادنا؟

لم يكن هذا المسلسل التعاون الأول بين كريم الشناوي ومريم نعوم، بل إن الثنائي قدَّم مسلسلات اجتماعية لطالما لاقت نجاحًا كبيرًا، حيث اجتمعا لأول مرة في مسلسل "خلي بالك من زيزي"، الذي ناقش حالات اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) وتأثير التربية في سلوك المصابين بتلك الحالات. كما قدَّما مسلسل "الهرشة السابعة"، الذي تناول أسباب تفكك الأسر والمشاكل التي تواجهها العائلات وتدفعها إلى الانفصال والتفكك، وأثر ذلك على جميع أفراد الأسرة. هذا ما يجعل الثنائي مميزًا في طرح القضايا الاجتماعية في قالب درامي قوي، يثير تساؤلات تجعل المشاهدين في حالة عصف ذهني طوال مشاهدة المسلسل. وهذا تحديدًا ما يحتاجه المجتمع من صُنَّاع الدراما؛ حيث إن الوجبة الدرامية التي تمتاز بقوة الحبكة، وفي الوقت ذاته تناقش قضيةً مجتمعيةً مهمة، تجعل منها أكلةً شهيةً لكنها صحية، وهذا يُعتبر نجاحًا ما بعده نجاح. لهذا، فإن الثنائي كريم الشناوي ومريم نعوم يُعتبران أفضل ثنائي درامي في السنوات القليلة الأخيرة، لأنهما الثنائي الذي يحتاجه المجتمع.