عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

لويس إنريكي.. رجل كتب البطولة بدموع الأبوة

تقرير

المراية

منار تامر

6/1/20251 دقيقة قراءة

في ليلة خرافية من ليالي كرة القدم، صنع لويس إنريكي التاريخ مع باريس سان جيرمان، وقاده للفوز بأول لقب دوري أبطال أوروبا في تاريخه، بعد فوز ساحق على إنتر ميلانو بنتيجة 5-0 في ملعب "أليانز أرينا" بميونيخ. وبينما يحتفل الآلاف في مدرجات البافاري، اختار إنريكي أن يحتفل بطريقته الخاصة: قميص يحمل صورة ابنته الراحلة "زانا"، ودموع تختلط بالفخر. لكنّ قصة هذا الانتصار لا تبدأ من صافرة البداية، بل من لحظة فقد.

زانا.. تسع سنوات من النور

في التاسع والعشرين من أغسطس عام 2019، تلقى لويس إنريكي أقسى خبر يمكن أن يُصيب قلب أب: وفاة ابنته "زانا" بعد معركة دامت خمسة أشهر مع "ساركوما العظام"، أحد أشرس وأندر أنواع السرطان. كانت زانا تبلغ من العمر تسع سنوات فقط، عاشتها بمرحٍ، وشغف، وحبٍّ للحياة.

يقول إنريكي في فيلمه الوثائقي You Haven’t Got a Clue في حلقته الثالثة، والدموع تملأ صوته:

"هل أنا محظوظ؟ نعم.. محظوظ جدًا. عاشت معنا زانا تسع سنوات رائعة. لدينا آلاف الذكريات، ومقاطع فيديو، وأشياء لا تُصدّق.. هذا كنزي الحقيقي."

كانت زانا تحب كرة القدم والاحتفالات، ورافقت والدها في لحظات مجده، كما حدث في نهائي دوري أبطال أوروبا 2015 مع برشلونة، حين غرسَت علم الفريق في أرض ملعب برلين؛ تلك الصورة التي لم تفارق ذاكرته أبدًا.

الانسحاب من أجل الحزن

عندما بدأت أعراض المرض على زانا، قرر إنريكي الانسحاب من تدريب منتخب إسبانيا في يونيو 2019، واضعًا حُبّه كأب فوق كل مهامه كمدرب. ابتعد في صمت، ورافق ابنته في رحلتها القاسية مع الألم، وكان حاضرًا في كل لحظة.

وعندما فارقت الحياة، كتب عبر حسابه الرسمي:

"ابنتنا زانا توفيت بعد خمسة أشهر من صراع شجاع مع المرض. نشكر الطاقم الطبي وكل من دعمنا. سنفتقدكِ كثيرًا، لكننا سنظل نذكرك بابتسامة."

العودة.. والنهوض من تحت الرماد

بعد شهور من الفقد، عاد إنريكي للمستطيل الأخضر، لكن لم يعد كما كان. بدا أعمق، أكثر هدوءًا، وأقل ضجيجًا. قاد منتخب إسبانيا مجددًا، لكنه خرج بشكل مخيب من مونديال قطر 2022، مما جعل البعض يظن أن مسيرته تقترب من نهايتها، وأن زانا أخذت معها شغف المدرب إلى الأبد. لكن الحقيقة كانت أعقد من ذلك... كان إنريكي يُعيد بناء نفسه، ببطء، وبصمت.

باريس سان جيرمان.. صناعة التاريخ من الألم

في صيف 2023، تولى تدريب باريس سان جيرمان، فريقًا متخمًا بالنجوم والأزمات. قرر التخلي عن بعض الأسماء البراقة، وبنى فريقًا جماعيًا، متواضعًا في الشكل، لكنه شرس في الأداء.

قال في أول مؤتمر صحفي له مع الفريق:

"زانا كانت تحب الاحتفالات.. أريد أن أحتفل مرة أخرى من أجلها."

كان موسمه مع باريس سان جيرمان مسيرة كفاح؛ حيث تجاوز ضغوط الجماهير، وتحديات غرفة الملابس، وتاريخًا أوروبيًا مثقلًا بالإخفاقات. وفي 31 مايو 2025، تحقق الحلم: فوز تاريخي بخماسية نظيفة على إنتر ميلانو، أداء مذهل، ولقب طال انتظاره.

اللاعب الشاب ديزيريه دووي خطف الأضواء في النهائي، بتسجيله هدفين وصناعته لهدف، ليُصبح أول لاعب في التاريخ يساهم بثلاثة أهداف أو أكثر في نهائي دوري أبطال أوروبا.

ولم يتوقف الإنجاز عند اللقب الأوروبي؛ بل أكمل إنريكي الثلاثية التاريخية بعد التتويج بالدوري الفرنسي وكأس فرنسا، ليُصبح أول مدرب يحقق ثلاثية قارية مع ناديين مختلفين (برشلونة وباريس سان جيرمان)، بعد بيب غوارديولا.

مشهد الختام.. زانا في المدرجات

ما إن انتهت المباراة، حتى رفعت جماهير باريس سان جيرمان لافتة ضخمة لفتاة صغيرة تحمل قميص النادي. كانت هي... زانا.

في تلك اللحظة، امتلأت عيون إنريكي بالدموع. خلع قميصه، وارتدى قميصًا يحمل صورتها، وتحدث للصحفيين:

"زانا معنا دائمًا.. لم تغب عنا يومًا. هذا الفوز لها."

ذلك المشهد لم يكن مجرد تكريم، بل كان وفاءً من نادٍ كامل لرجل أعطى قلبه لكرة القدم، ورسم انتصاراته بمداد الدموع.

قصة لويس إنريكي ليست مجرد انتصار رياضي، بل مرآة إنسانية عميقة.

كيف يمكن للحزن أن يكون محركًا لا عبئًا؟

وكيف تتحول الذكرى من جرح إلى جناحين؟

وكيف يستطيع الإنسان أن ينهض من فقدٍ لا يُعوّض ليصنع من جديد لحظة خلود؟

ربما لأن كرة القدم، في جوهرها، ليست مجرد لعبة... بل حياة.