عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
ليلى مراد: الصوت الذي غنّى للحبّ والوطن وكسر الحواجز
تقرير
وجه آخر
نورهان عادل
4/28/20251 دقيقة قراءة


في زمن كانت فيه السينما تغزل الحلم، والغناء يحكي وجع الناس وأحلامهم؛ كانت هناك نجمة لا تشبه أحدًا، ليلى مراد، الصوت الذي عبر قلوب العرب بلا استئذان، والوجه الذي رسم ملامح الرومانسية في وجدان أجيال. لم تكن مجرد مطربة أو ممثلة، بل كانت أيقونة صنعت تاريخًا بألحانها وأحلامها، في زمن كانت فيه مصر تكتب قصتها الذهبية.
ميلاد نجمة من رحم الموسيقى
وُلدت ليلى مراد في 17 فبراير 1918 لأسرة فنية عريقة؛ كان والدها، زكي مراد، موسيقيًا ومطربًا يهوديًا مرموقًا. فتحت ليلى عينيها على ألحان العود وأنغام التخت الشرقي، وتربت على يد والدها الذي لقّنها أصول الغناء الشرقي الأصيل. منذ طفولتها، كان صوتها نقيًا كقطرة ماء، وملامحها تحمل مزيج البراءة والقوة، وهي الخلطة التي ستجعل منها لاحقًا معجزة فنية.
الانطلاقة: من خلف الميكروفون إلى أمام الكاميرا
في عمر صغير، بدأت ليلى تغني في الحفلات الإذاعية والمسارح؛ لكن الانعطافة الكبرى جاءت عندما اكتشفها المخرج توجو مزراحي، الذي آمن أن هذا الصوت يستحق أن يُرى كما يُسمع. عام 1938، تألقت ليلى لأول مرة على شاشة السينما في فيلم "يحيا الحب" مع محمد عبد الوهاب، ومنذ ذلك الحين أصبحت معبودة الجماهير. كانت تغني للحب، للشوق، للفرح؛ وكأن كل أغنية تخرج من قلبها إلى قلوب الناس دون حواجز.
الغناء للوطن
لم تكن ليلى مراد مجرد مطربة عاطفية، بل كانت جزءًا من الوجدان الوطني. غنّت لمصر في لحظات الفرح والحزن، وأبدعت في أغنيات مثل:
"بلد المحبوب"
"مصر تتحدث عن نفسها"
كانت أغانيها بمثابة رسائل حب للوطن، تذوب فيها الحروف كما تذوب العيون شوقًا للأرض والأهل.
أزمة الهوية: معركة في الخفاء
في الأربعينيات والخمسينيات، واجهت ليلى مراد تحديًا شخصيًا صعبًا؛ كونها وُلدت لعائلة يهودية في ظل تصاعد التوترات السياسية، تعرضت لشائعات قاسية اتهمتها زورًا بالتبرع لدولة الاحتلال الصهيوني. ليلى، التي أسلمت في الأربعينيات بإرادتها، وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن وطنيتها. ورغم النفي الرسمي من الحكومة المصرية لهذه الادعاءات، إلا أن هذه الأزمة أثّرت عليها نفسيًا وفنيًا، وألقت بظلالها على حياتها لسنوات طويلة.
الغياب الاختياري: انسحاب نجمة في أوجها
في منتصف الخمسينيات، وبعد سلسلة من النجاحات الضخمة، قررت ليلى مراد فجأة أن تنسحب بهدوء. ابتعدت عن الأضواء، اعتزلت الفن، وفضلت أن تعيش ما تبقى من حياتها بعيدًا عن صخب الشهرة. لم يكن الانسحاب هزيمة، بل كان اختيارًا حرًا لإنسانة عاشت الفن بشغف، واختارت أن تحتفظ بجمال صورتها في قلوب الناس.
الحب والفن: محطات من حياتها مع الكبار
كانت حياة ليلى مراد مليئة بالقصص؛ ليس فقط في الأغاني والأفلام، بل أيضًا خلف الكاميرات. ارتبطت فنيًا وعاطفيًا بالفنان أنور وجدي، الذي شاركها البطولة في أشهر أفلامها مثل "ليلى بنت الفقراء" و*"غزل البنات"*. جمعتهما قصة حب شهيرة انتهت بالزواج؛ لكنه كان زواجًا قصير العمر، امتلأ بالخلافات والطموحات المتعارضة، لينفصلا بهدوء بعد سنوات قليلة.
مع محمد عبد الوهاب، لم تكن العلاقة عاطفية، بل كانت علاقة فنية خالصة مليئة بالاحترام؛ آمن عبد الوهاب بموهبتها منذ البداية، وفتح لها أبواب السينما والموسيقى، وشاركها بعض أنجح أعمالها.
وكانت ليلى مراد أيضًا محاطة بجيل ذهبي من الموسيقيين والممثلين؛ تعاملت مع عمالقة مثل رياض السنباطي وزكريا أحمد، وكانت تحظى بمحبة خاصة من الجمهور والنقاد، إذ رأوا فيها "صوت العصر الجميل" الذي اجتمعت حوله قلوب الناس.
هل هناك وريثة لليلى مراد اليوم؟
رغم مرور عقود على ابتعادها، إلا أن سحر ليلى مراد لا يزال حيًا في الوجدان. وفي كل عصر، يبحث الناس عن صوت يُشبهها؛ يحمل نفس النقاء والعذوبة والصدق الفني.
ربما كانت الفنانة آمال ماهر أقرب الأصوات الحديثة التي استحضرت روح ليلى مراد؛ فصوت آمال يجمع بين القوة والعذوبة، والإحساس الفطري الذي لا تُخطئه الأذن، مثلما كانت ليلى تغني للحب والحنين بصدق لا يحتاج إلى تزييف.
آمال ماهر، مثل ليلى مراد، اختارت أن تبني مجدها بالغناء الحقيقي بعيدًا عن الضجيج؛ وتمسكت بالأغنية الطربية الأصيلة مع تطوير عصري في الشكل، لكنها ظلت وفية لجوهر الطرب العربي الذي حملته ليلى مراد قبلها. وربما لهذا، يرى كثيرون أن آمال ماهر ليست مجرد مطربة ناجحة، بل استمرار لخط أصيل بدأته ليلى مراد: الغناء للحب بصدق، وللوطن بشموخ، وللإنسانية بعذوبة.
صوت خالد لا يُنسى
رحلت ليلى مراد في 21 نوفمبر 1995، لكنها تركت خلفها إرثًا لا يموت: أكثر من 120 أغنية خالدة، وحوالي 27 فيلمًا من علامات السينما المصرية، وقصة امرأة كسرت حواجز الهوية والدين والسياسة بالفن والحب.
اليوم، عندما يُذكر الغناء الشرقي الأصيل، أو تُروى حكايات السينما الذهبية، يتردد اسم ليلى مراد كواحدة من أنقى الأصوات وأكثرها صدقًا؛ صوت لا يُنسى.