عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
محمد بن سلمان .. أمير الصراعات
مقال
خط النار
محمد أكرم
6/3/20251 دقيقة قراءة


إذا كنتَ محبًّا للمسلسلات العالمية، فأنت بالتأكيد شاهدت مسلسل صراع العروش أو باسمه العالمي الشهير Game of Thrones، والذي تدور أحداثه حول نزاعات السلطة وصراعات العرش، والحروب السياسية التي كانت تحدث في القصر الملكي ، دعني أقول لك إنّه أثناء عرض المسلسل الشهير على شاشة التلفاز، كانت أحداث مشابهة للمسلسل الأمريكي تحدث في قصور خادم الحرمين الشريفين، في قصر الملك السعودي السابع سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ حيث كان ابنه ـ ولي العهد الحالي ـ يشن حربًا على رجال عائلته من أجل منصب ولاية العهد، والذي كان بعيد المنال عندما تولّى أبوه السلطة.
في عام 2006، أنشأ الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز هيئة البيعة، والتي كان دورها يركّز على اختيار ولي العهد السعودي ، وهذا أمر طبيعي، لأن جيل الأبناء المؤسسين للدولة قارب على الانتهاء، ومعظم أولاد المؤسس عبدالعزيز آل سعود قد وافتهم المنيّة ، كان الملك عبدالله يعرف تمامًا أن جيل الأحفاد لن يكون سهلًا، بل كان يعلم أن الصراع على السلطة سيكون حتميًا ودمويًا إذا لزم الأمر ، فعلى مدار القرن الماضي، تولّى الملوك السعوديون السلطة بنظام توريث الأخ الأكبر على قيد الحياة، لكن هذا النظام الآن بات تاريخًا ، الأحفاد قادمون، ولن يتركوا السلطة بسهولة.
الملك عبدالله كان يريد دخول المعركة مبكرًا، حيث فكّر في تعيين ابنه الأمير متعب بن عبدالله وليًا للعهد، لكنه فشل في ذلك، وتوفّاه الله في عام 2015 ، وفي رأيي، فإن الملك سلمان كان يعلم ذلك الخطر، ويعلم تلك الحرب التي ستندلع في قصور المملكة الفارهة، فقطع كافة المحاولات التي كان يخطط لها بعض رجال القصر الموالين للملك عبدالله وابنه، وانتزع ولاية العهد، ثم العرش.
المعركة الحقيقية بدأت بعد وفاة الملك عبدالله؛ حيث كان الملك يخطط لما فشل فيه أخوه عبدالله: تولية محمد بن سلمان ، وهنا تظهر شخصية بن سلمان على ساحة الصراع ، إنه أمير قوي، شاب، ذكي، يعلم مفاتيح السلطة، وقادر على حياكة كافة المؤامرات التي تجعله على عرش المملكة ، ولكن كانت هناك عقبة ثقيلة في انتظاره: ولي العهد الشرعي الأمير محمد بن نايف، رجل قوي وشخصية أمنية باقتدار، صخرة صعبة في طريق بن سلمان ، لكن الأمير الشاب كان قادرًا على تفتيت الصخرة بامتياز.
في يونيو عام 2017، استقال الأمير محمد بن نايف عن ولاية العهد، وتبع ذلك فيديو شهير لمحمد بن سلمان وهو يقبّل قدم ابن عمه الكبير وولي العهد السابق، مُصدرًا صورة سلمية لما حدث ، ولكن ما وقع في الغرف المغلقة كان شيئًا آخر ، بحسب كتاب الدم والنفط، يذكر الصحفيان الأمريكيان برادلي هوب وجاستن شيك أن الأمير محمد بن نايف تعرّض لضغط من مساعدي بن سلمان، ووجّهوا له تهديدًا مباشرًا: إن لم يتنازل عن ولاية العهد، فسيقضون عليه، مستخدمين علاقته الجيدة والحميمة مع الأمير تميم بن حمد، أمير دولة قطر، متّهمين إياه بالتخابر مع قطر، وذلك في ذروة الخلافات الناشئة بين تميم وسلمان ، وفي رأيي، فإن محمد بن نايف كان يعلم أن ذلك التهديد محض هراء، لكنه أدرك أن بن سلمان لن يتوقف عن محاولة انتزاع العرش.
خرج الأمير محمد بن نايف من الغرفة المغلقة بعد ساعات من التهديد والضغط ، كان ذكيًّا لأنه علم بقوة بن سلمان، وعلم أيضًا بسيطرته على أمراء مجلس البيعة، فاستقال من منصبه، وعيّنه الملك مستشارًا له تعويضًا ظاهريًّا ، وبعد تلك الخطوة، كان الطريق ممهّدًا للأمير الشاب، فأعلن الملك صراحة أنه يريد ابنه أن يكون وليًّا للعهد، واجتمع مجلس البيعة، وأقرّ بالإجماع على بن سلمان وليًّا للعهد، حيث صوّت من أصل 34 أميرًا، 31 بالموافقة والمبايعة له ، وتُعتبر هذه اللحظة تتويجًا لابن سلمان على عرش المملكة.
تلك الحرب التي شهدتها قصور المملكة لم تنتهِ بتولية بن سلمان وليًّا للعهد، لكنه يعلم جيدًا نفوذ رجال بن نايف في القصر ، شرع بن سلمان في بسط نفوذه، والقضاء على خصومه بكل عدائية ودموية. ولم يكتفِ بذلك، لأنه ـ وفي رأيي ـ مسيطر على مقاليد الحكم بشكل غير مسبوق لولي عهد سعودي ، بل إنه لم يكتفِ بتقليد نفسه عرش المملكة، لكنه يريد أن يقود المنطقة العربية، وذلك بالقضاء على القوى الفاعلة في المنطقة ، وليس القضاء هنا بمعنى القضاء على أسس الدولة، بل القضاء على كافة المراكز القوية في تلك الدول.
ولأن كلٌّ يبكي على ليلاه، فإننا نرى مصر هي أكثر دول المنطقة تضررًا من سياسة بن سلمان، حيث يعمل ليل نهار لسحب بساط القوة والنفوذ من مصر.
يشنّ بن سلمان حروبًا عديدة، ليست حروبًا تقليدية، لكنها حروب السياسة ، يشنّ حروبًا داخلية للانفراد بالحكم ـ حتى من أبيه ـ، وخارجية مع دول الجوار القوية مثل الإمارات ومصر وقطر ، يريد بن سلمان أن يكون والي الولايات المتحدة في المنطقة، ومساعد إسرائيل في إدارة الشرق الأوسط ، وقد دفع بن سلمان المليارات ـ دعونا نقول التريليونات من الدولارات ـ من أجل الحصول على هذا الصك، والذي حصلت عليه مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد (مع فارق كبير في الطريقة والدور) ، إلا أن بن سلمان يلعب على كل الأطراف ليحصل على لقب "زعيم العرب" كما حصل على لقب زعيم آل سعود، بالقوة ليس إلا.
لأكون صريحًا، أعترف أن بن سلمان قائد محترف، ذكي، سياسي ماهر، لكنه لن يصبح زعيم العرب، لأن هذا اللقب أصلاً غير موجود، مات مع عبدالناصر ، وأي محاولة لإحيائه ستبوء بالفشل ، ولكن ليس هذا فقط ما سيفشل الخطة، بل إن مصر لن تترك الزعامة حتى في أذل عصورها، وذلك ببساطة لطغيان مصري على كافة المستويات ، لا أنكر قوة السعودية، ولكن لا أنسى قوة مصر ، مصر هنا تعني الشعب؛ الشعب الذي يقود المنطقة دومًا سيظل كذلك.
أما عن صراع بن سلمان الداخلي، فأقول إن المستجير بعمروٍ عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار ـ مثلٌ عربي عن أحد الشخصيات في حرب البسوس ـ، والمستجير هنا بالولايات المتحدة كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ حيث إن الولايات المتحدة تجيد التضحية واستبدال حلفائها، وتلعب لعبة العروش جيدًا، ويكفي أنها أنتجت مسلسلًا بحجم صراع العروش.