عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
محمد حسنين هيكل.. عقل مصر الذي دوّن التاريخ من وراء الكواليس
تقرير
المراية
منى حامد
5/27/20251 دقيقة قراءة


يُعد محمد حسنين هيكل أحد أبرز أعمدة الصحافة العربية في القرن العشرين، ورمزًا فريدًا ارتبط اسمه بتفاصيل صناعة التاريخ المصري الحديث، ليس فقط ككاتب أو محلل سياسي، بل كشاهدٍ على لحظاتٍ مفصلية، ومؤرخٍ لصراعات الحُكم، ومهندسٍ للرأي العام في أدق مراحله. امتلك حضورًا طاغيًا، وصوتًا مؤثرًا ظل يتردد في أروقة السياسة والإعلام لعقود.
وُلد هيكل في 23 سبتمبر 1923 بقرية باسوس في محافظة القليوبية، لأسرةٍ تنحدر من جذور صعيدية. بدأ رحلته الصحفية عام 1942 في جريدة الإيجيبشيان جازيت كمحررٍ تحت التدريب في قسم الحوادث، وهناك كُلِّف بأول مهامه الجريئة: استفتاء مائة بغي بشأن قرار إلغاء البغاء الرسمي. أنجز المهمة بذكاء، مستعينًا بوساطة "المعلمة" في أحد المقاهي الشعبية، لتكون هذه البداية دليلاً على طريقته الفريدة في الوصول إلى قلب الحدث.
خلال الحرب العالمية الثانية، تحوّل إلى مراسل حربي وغطّى معارك العلمين في مصر، ثم انتقل إلى مالطا وباريس، حيث لفت انتباه فاطمة اليوسف، مؤسسة مجلة روز اليوسف، التي ضمّته إلى فريقها.
في عام 1952، تولّى رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة وهو في التاسعة والعشرين من عمره، ليصبح أصغر رئيس تحرير في مصر. لكن التحول الأكبر في مسيرته جاء مع ثورة يوليو، حين التقى جمال عبد الناصر أثناء تغطيته لحرب فلسطين، لتبدأ صداقةٌ تاريخية جعلته "ظل الرئيس" ومستشاره الإعلامي الأقرب.
في عام 1957، قاد هيكل جريدة الأهرام لمدة 17 عامًا، وحوّلها إلى إمبراطورية صحفية تضاهي كبريات الصحف العالمية، وأضاف إليها مراكز بحثية مثل مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، وأصدر عموده الشهير "بصراحة"، الذي كانت كلماته تهز أركان السياسة العربية.
وزير الإعلام رغم رفض المناصب
رغم تحفظه على المناصب الرسمية، قبل هيكل تولي وزارة الإرشاد القومي (الإعلام) عام 1970 خلال حرب الاستنزاف، كما أُضيفت إليه وزارة الخارجية لفترة وجيزة.
الصدام مع السادات
اختلف هيكل مع الرئيس أنور السادات بعد حرب أكتوبر 1973، خاصةً فيما يتعلق بمفاوضات كيسنجر، ما أدى إلى إقصائه من الأهرام بقرار رئاسي في عام 1974. وصف هيكل القرار بـ"الانقلاب الصحفي"، ورفض عرضًا بتعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية.
السجن
في سبتمبر 1981، أُدرج اسمه ضمن حملة اعتقالات موسعة طالت مثقفين وسياسيين معارضين في عهد السادات، وقضى شهرًا في السجن، ثم أُفرج عنه عقب اغتيال السادات في أكتوبر من نفس العام.
أعماله وكتبه
ألف هيكل أكثر من 40 كتابًا، كشف فيهم كواليس السياسة والحكم، من أبرزها:
خريف الغضب (1983): هجوم لاذع على سياسات السادات، وصفه البعض بـ"الانتقام الأدبي".
عبد الناصر: وثائق القاهرة (1972): وثّق العلاقة الخاصة التي جمعته بجمال عبد الناصر.
المستقبل.. الآن؟ (2002): محاضرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، دعا فيها لرؤية تقدمية لمستقبل مصر.
تُرجمت كتبه إلى أكثر من 30 لغة، ودرستها جامعات عريقة مثل كولومبيا وهارفارد.
الجدل: من عبد الناصر إلى السيسي
علاقته بإسرائيل: كشفت وثائق إسرائيلية عن محاولات الموساد تجنيده في الستينيات تحت الاسم الكودي "عوزي"، لكنها فشلت بسبب ما وصفه صحفي إسرائيلي بـ"وطنية هيكل الشرسة".
دعم الانقلابات: أيد هيكل انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي عام 2013، واعتبره "تصحيحًا لمسار الثورة"، ما جلب عليه انتقاداتٍ من التيارات الإسلامية.
الرحيل
توفي محمد حسنين هيكل في 17 فبراير 2016 عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد صراع مع الفشل الكلوي، تاركًا وراءه:
مؤسسة صحفية: جعل من الأهرام منبرًا عالميًا.
تاريخًا مكتوبًا: دوّن أسرار الحكم من داخل الغرف المغلقة.
مدرسة فكرية: لا تزال أطروحاته مرجعًا أساسيًا في الشأن العربي.
محمد حسنين هيكل لم يكن مجرد صحفي، بل كان ظاهرةً استثنائية. غاب الجسد، لكن بقيت أفكاره وإرثه شاهدًا على قرنٍ من التحولات.