عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
محمد صبحي.. المسرح كمرآة والدراما كسلاح
تقرير
المراية
ميادة عيسى
5/22/20251 دقيقة قراءة


فنان رفض أن يكون محايدًا، واختار أن يحمل هموم الناس على خشبة المسرح.
دائمًا ما يظهر فنان لا يكتفي بأن يكون مجرد ممثل على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا، بل يتحول إلى صوتٍ لجيله، يعبر عن هموم الناس، ويواجه السلطة أحيانًا بسلاح الفن. شخص حمل على عاتقه مهمة تقديم أعمال لا تُنسى، ليس فقط لإضحاك الجمهور، بل لجعله يفكر ويتساءل. كانت أعماله مرآةً للمجتمع، تعكس تناقضاته، وتسخر من واقعٍ أصبح أكثر تعقيدًا. تحدى القيود، وواجه انتقادات كثيرة، لكنه ظل ثابتًا على مواقفه، مستخدمًا المسرح والدراما كسلاحٍ للكشف عن الحقائق المسكوت عنها. إنه الفنان الذي لم يكن يومًا مجرد ممثل، بل صاحب رسالة... محمد صبحي.
سلاح المسرح
منذ بداياته على خشبة المسرح، اختار محمد صبحي أن تكون عروضه منبرًا نقديًا، يتناول فيه الواقع السياسي والاجتماعي من زوايا غير تقليدية. في مسرحية تخاريف، تناول أحلام المواطن العربي التي تتعطل دائمًا أمام بيروقراطية الدولة وفساد السلطة، مع إسقاطات واضحة على القمع وتأثير الإعلام. لاحقًا، في ماما أمريكا، عبّر عن موقفه الواضح من السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وطرح تساؤلات حول علاقة الأنظمة العربية بتلك السياسات. وفي عرضه الأخير عائلة اتعمل لها بلوك، أسقط حقبة الاحتلال الإنجليزي على الواقع الحالي، مشيرًا إلى أن جوهر المشاكل الاجتماعية والسياسية في مصر لم يتغير كثيرًا، بل اتخذ أشكالًا جديدة.
دراما واعية
لم يكتفِ محمد صبحي بالمسرح، بل استخدم الدراما التلفزيونية كأداة لاستكمال مشروعه الفكري. في فارس بلا جواد، جسّد صراعًا فكريًا مع الاحتلال الصهيوني، وطرح رواية قوية عن دور المخابرات والإعلام في تشكيل وعي الشعوب، ما عرضه لهجوم سياسي ومحاولات منع من العرض في بعض الدول. وفي سلسلة يوميات ونيس، قدّم صورة متكاملة عن تغير القيم داخل الأسرة المصرية، وتطورت رؤيته السياسية تدريجيًا في الأجزاء الأخيرة، حيث انتقد الفساد، وسوء توزيع الثروات، وانهيار التعليم. أما في رحلة المليون، فجسّد شخصية شاب يسعى للهجرة، ليكشف عن مأساة جيل ضائع بين الأحلام الكبيرة والفرص الضائعة.
صوت بموقف
لم يكن محمد صبحي فنانًا باحثًا عن الشهرة، بل مثقفًا صاحب موقف، يُدخل السياسة في فنه دون أن يتحول إلى معارض مباشر. خلال فترة حكم مبارك، اعتمد على الرمزية في نقده، ونجح في تمرير رسائل قوية دون صدامٍ مباشر مع النظام. بعد ثورة 25 يناير، عبّر عن دعمه للتغيير، ثم عاد وانتقد ما وصفه بـ"الفوضى" التي لحقت بالثورة، وهو ما عرّضه لحملات من بعض النشطاء. رغم الجدل، ظل ثابتًا على موقفه، مؤمنًا بأن الفنان لا يجب أن يكون تابعًا، حتى وإن خالفه الجميع.
عروض جديدة
في يناير 2025، عاد محمد صبحي إلى خشبة المسرح بعروض جديدة لمسرحيته فارس يكشف المستور في مدينة سنبل، ليؤكد استمرار حضوره الفني رغم التحديات. المسرحية، التي تجمع بين الكوميديا والموسيقى، تُعد استكمالًا لمسلسله فارس بلا جواد، وتتناول قضايا اجتماعية بأسلوب نقدي مميز. شاركت الفنانة ميرنا وليد مع صبحي لأول مرة، مما أضاف ديناميكية جديدة للعرض. وبحسب تصريحاته، استغرقت البروفات سبعة أشهر نظرًا لتعقيد العمل، مما يعكس التزامه بالجودة. هذه العودة القوية تؤكد أن صبحي لا يزال فنانًا مؤثرًا، قادرًا على جذب الجمهور بفنه الملتزم.
إلهام مسرحي
يواصل محمد صبحي إلهام الجيل الجديد من خلال دعمه للمواهب الشابة والمسرح المدرسي. في 2024، أعرب عن سعادته بإعادة تقديم عرض عائلة ونيس من قبل فريق مسرحي مدرسي على مسرح مدينة سنبل، مشيدًا بإيمان الطلاب بقضايا العرض. هذا الدعم يعكس رؤيته بأن المسرح أداة للتنوير، كما أكد في تصريحاته لـ"بوابة أخبار اليوم" في مايو 2025: "الفن ليس ترفيهًا فقط، بل أداة إصلاح". ومن خلال أكاديميته لتعليم الفنون، يدرب صبحي ممثلين شبابًا، موجهًا إياهم نحو فن يحمل رسالة، مما يجعله رمزًا للإلهام في المشهد الثقافي.
روح إنسانية
كشف محمد صبحي عن جانبه الإنساني في ديسمبر 2024، عندما تحدث عن إصابته بالتواء في القدم أثناء بروفات فارس يكشف المستور، مؤكدًا أن الإصابة لن تعيقه عن تقديم عروضه. في نفس الفترة، عبّر عن قلقه على نجل شقيقه الذي أصيب في حادث سير خطير، داعيًا الجمهور للصلاة من أجله. هذه الصراحة تُظهر قربه من جمهوره، حيث يشاركهم همومه الشخصية بنفس الصدق الذي يقدم به فنه. التزامه بالمسرح رغم الإصابة، وتعاطفه العميق مع عائلته، يبرزان شخصيته كفنان لا يفصل بين إنسانيته ورسالته الفنية.
تأثير مستمر
رغم ابتعاده النسبي عن ساحات التريند والظهور المتكرر في الإعلام، لا يزال محمد صبحي يحتفظ برمزيته كأحد الفنانين القلائل الذين اختاروا طريق الوعي بدلًا من الإرضاء اللحظي. أعماله تعيش في ذاكرة الأجيال، لأنها ارتبطت بقضاياهم، وأثارت بداخلهم أسئلة حقيقية. تأثيره لا يُقاس بعدد المشاهدات، بل بعمق الفكرة التي غرسها، وبالشكل المختلف الذي اختار أن يكون عليه... فنان له موقف.
قد لا يكون الأكثر صخبًا، لكنه بلا شك من أكثرهم وعيًا... ومن أصدقهم في التعبير عنّا.