عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
محمد سمير ندا.. "صلاة القلق" تُتوّج البوكر وتُعيد الرواية المصرية إلى قلب المشهد
تقرير
المراية
منار تامر
4/28/20251 دقيقة قراءة


في ليلةٍ عربية مشبعةٍ بالدهشة وتحت سماءٍ تصغي لصوت الحكايات، أعلنت جائزة البوكر العالمية للرواية العربية عن فوز الكاتب المصري محمد سمير ندا بجائزتها لعام 2025، عن روايته الثالثة "صلاة القلق"، التي لم تكن مجرد رواية، بل صلاة خافتة خرجت من عمق الوجدان العربي وهمست في أذن الزمن.
"سعيد لأن رواية مصرية فازت بجائزة عربية كبرى".. هكذا علّق ندا، الذي شعر بالقشعريرة وهو يرى اسمه يقترن بمصر، ويعيد اسم الرواية المصرية إلى واجهة الأدب العربي بجمال هادئ وطرح جريء.
رواية مختلفة.. وقرية تتحول إلى سلاحف
"صلاة القلق".. ليست عملًا تقليديًا، بل سردية فانتازية تدور أحداثها في قرية بصعيد مصر، تنقلب فجأة إلى قرية من السلاحف عقب انفجار غامض عام 1977، هذا التحول الرمزي يعكس بطء التحول الاجتماعي، التأمل، وربما رغبة جماعية في الهروب إلى الداخل، إلى القوقعة.
من خلال ثماني شخصيات، تنسج الرواية حكايات تتأرجح بين الواقع والأسطورة، بين السياسة والميتافيزيقا، في محاولة للكشف عن القلق الجمعي العربي، لا سيما في ظل الحروب المصطنعة وتزييف الوعي الجماعي.
قال ندا: "إذا كنا كعرب نُصلّي خمس صلوات، فقد أُضيفت إلينا صلاة سادسة منذ نكبة 1948.. صلاة القلق." هذه الصلاة ليست دينية، بل هي طقوس يومية من الخوف، والانتظار، والتوتر، في عالم عربي يعيش على حافة الحروب والانتظارات الخائبة.
عن الكاتب.. ما بين المحاسبة والكتابة
رغم انشغاله بمهنته كمدير مالي في منشأة سياحية كبرى، فإن ندا يؤمن بأن الكتابة شغف لا وظيفة، وهواية لا وسيلة لكسب الرزق، فقد ورث "لعنة الكتابة" عن والده الكاتب الشهير سمير ندا، ونشأ في بيت أدبي عريق، قرأت له والدته كتب محمد حسنين هيكل وهو في المرحلة الإعدادية، حرصًا على ألا تضيع هويته المصرية في الغربة.
"الكتابة هوس.. أحيانًا تكون قدرًا لا فكاك منه،" هكذا يعلّق ندا الذي كتب "صلاة القلق" في ثلاث سنوات من العمل الهادئ والعزلة الواعية.
ثلاث روايات.. والثالثة هي الفارقة
رغم أن روايته الأولى "مملكة مليكة" كانت تجربة أولى اعترف بأخطائها، فإن روايته الثانية "بوح الجدران" بدأت تمنحه حضورًا وسط القرّاء، لكن "صلاة القلق" كانت القفزة الكبيرة والنجاح الذي لم يتوقعه، والدهشة التي فاقت التوقعات.
وكانت الرواية قد نُشرت في دار نشر تونسية بعد أن "لم يُكتب لها التوفيق في مصر"، كما أوضح ندا، مشيرًا إلى أنه كان يتمنى فقط أن يتلقى ردًا من دور النشر، حتى لو بالرفض، "لو ردوا وقالوا لأ، كنت رفعت لهم القبعة."
الرواية والتاريخ.. وسؤال الهوية
تناولت الرواية، في أحد مستوياتها، الحقبة الناصرية، لا من باب النقد الشخصي للرئيس عبد الناصر، بل كمرحلة مفصلية بين نكسة 1967 ومرحلة ما بعد الانفتاح، "الفكرة ليست في الزعيم، بل في من تاجروا باسمه.. من جعلوا من الخسارة نصرًا، ومن الهزيمة ملحمة وهمية."
الجوائز لا تصنع الخلود، لكن..
يرى ندا أن الجائزة ليست الغاية، بل أن تكتب عملًا يعيش أكثر منك، قائلًا: "الهدف الأسمى للكاتب أن تتجاوز أعماله عمره." وهو بذلك يلتحق بركب الكتّاب الذين لا يبحثون عن المجد العابر، بل عن الخلود الأدبي الذي لا يُشترى.
صلاة على هيئة رواية
فوز "صلاة القلق" لا يُعلن فقط عن نجم جديد في سماء الرواية العربية، بل يؤكد أن الرواية المصرية ما زالت قادرة على الإدهاش، على إعادة اكتشاف الذاكرة، وعلى قول الحقيقة بصوت خافت، لكن عميق.
مبارك لمحمد سمير ندا، ومبارك لمصر التي عادت تتكلم الرواية بلغتها الأصيلة.