عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
من الإسكندرية إلى وجدان الأمة.. رحلة محمود مرسي الباقية
تقرير
المراية
منار تامر
4/24/20251 دقيقة قراءة


تحلّ اليوم، الرابع والعشرون من شهر أبريل، ذكرى رحيل واحد من أعمدة الفن المصري، الفنان القدير محمود مرسي، الذي غيّبه الموت في مثل هذا اليوم من عام 2004، لكنه بَقي حيًّا في ذاكرة الوطن، محفورًا في وجدان جمهوره، وصوته ما زال يتردّد في أذهاننا عبر كل مشهد وكل حوار نسجه بحرفية وحسّ إنساني لا يُضاهى.
وُلد محمود مرسي بمدينة الإسكندرية، حيث تفتّحت عيناه على ألوان البحر وموسيقى الموج، فتكوّنت لديه تلك الروح التأملية الممزوجة بصرامة الفكر.
التحق بالمدرسة الثانوية الإيطالية، ثم درس الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وكأن الحياة كانت تمهّده ليكون فيلسوف الشاشة وصاحب الموقف الدرامي العميق.
بعد تخرّجه، عمل مُدرّسًا، لكنه لم يرضَ بالبقاء في منطقة الأمان، فاستقال وسافر إلى فرنسا لدراسة الإخراج السينمائي، ومنها إلى لندن، حيث عمل في هيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، لكن صوت الوطن ناداه حينما وقعت مصر تحت نيران العدوان الثلاثي، فعاد ليبدأ رحلته الحقيقية في حضن الفن المصري.
في مصر، عمل مخرجًا بالإذاعة، ثم في التلفزيون، ولم يلبث أن دخل عالم السينما عبر فيلم "أنا الهارب" عام 1962، ليتحوّل إلى اسم لا يغيب عن مجال الأعمال الجادة والمهمة.
لم يكن محمود مرسي ممثلًا عاديًا، بل كان تجسيدًا للهيبة والعمق، للصوت الهادئ الذي يحمل في نبرته زلزالًا، وللنظرة التي تقول ما لا تقوله الكلمات.
شارك في مجموعة من أهم الأفلام التي صاغت وجدان المصريين، منها:
"شيء من الخوف"، حيث قدّم شخصية "عتريس" التي صارت مرادفًا للبطش والهيمنة.
"السمان والخريف"، و"أبناء الصمت"، و"زوجتي والكلب"، و"أغنية على الممر"، وجميعها دخلت قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
أما في التلفزيون، فكان لمحمود مرسي حضور خاص لا يُشبه أحدًا، ففي "رحلة السيد أبو العلا البشري" قدّم شخصية الحكيم النازح من الصعيد، الحامل لمبادئ الخير والعدل، والذي حاول زرعها في مجتمع تتقاذفه التيارات المادية والانحراف الأخلاقي.
وفي "بين القصرين" و"قصر الشوق"، جسّد شخصية "سي السيد" بكل ما تحمله من تناقضات، فكان صارمًا في بيته، عاشقًا خارج جدرانه، ومن خلاله أضاء ملامح المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين.
وفي مسلسل "العائلة"، أبدع بدور الأب الذي فقد ابنه، ليصبح شاهدًا على تفشّي ظاهرة التطرف، محذرًا منها بصوت العقل والحب، في نص محكم كتبه الراحل وحيد حامد.
في عام 2000، توّجت الدولة المصرية مسيرته بمنحه جائزة الدولة التقديرية، وكان قد تم تكريمه من عدد من المهرجانات المهمة، بينها مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الإذاعة والتلفزيون.
وما تزال لافتة "عاش هنا" التي تزيّن جدران منزله بالإسكندرية شهادةً على أثره الباقي، ورمزًا لرجل لم يكن مجرد فنان، بل كان مدرسةً في الأداء والاختيار، وبصمةً لا تُنسى في أرشيف الوعي الفني المصري.