عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
من المزرعة إلى المجد.. سيرة رجل لم يُغْرِه القصر
تقرير
المراية
منار تامر
5/30/20251 دقيقة قراءة


في زمنٍ تُغري فيه القصور وتُفتَن فيه الأرواح ببريق السلطة، خرجَ رجل من رحم البساطة ليكسر القاعدة، ويعيد تعريف معنى الحُكم، لا من قصرٍ شاهق، ولا من منصّة مطليّة بالذهب، بل من كوخٍ ريفي تُحيط به دجاجات سائبات، وكلبة عرجاء تُدعى "مانويلا".
ذلك الرجل هو خوسيه "بيبي" موخيكا، رئيس الأوروغواي الأسبق، الذي رحل عن عالمنا في 14 مايو 2025، تاركًا خلفه دربًا مشعًّا من الصدق، ورمزًا نادرًا في عصر المظاهر.
حين انتُخب رئيسًا عام 2010، لم يحمل المفتاح الذهبي للقصر الرئاسي، رفضه ببساطة، كأنما القصر لا يليق برجلٍ تعوّد على العراء، على الأرض التي تُبلّلها الأمطار، لا عطور السياسة.
فضّل أن يبقى في مزرعته الواقعة على أطراف مونتيفيديو، حيث يقود بنفسه سيارته "فولكسفاغن بيتل" موديل 1987، ويروي النباتات بيديه، ويجلس على مقعدٍ مهترئ أمام باب بيته وهو يقرأ الجريدة.
"القصر فيه خدم وحُجّاب، وأنا أحتاج فقط إلى كلبتي وزوجتي وقليل من الشمس"، هكذا كان يقول دومًا.
لم يكن موخيكا فقيرًا، رغم اللقب الذي التصق به عالميًا: «أفقر رئيس في العالم»، بل كان غنيًا بما لا يُشترى. رجلٌ امتلك القناعة كرأسمال، والبساطة كحُكمٍ فلسفي. تبرع بمعظم راتبه الرئاسي لدعم الإسكان الاجتماعي، لأنه كان يؤمن أن من يجلس على قمة الهرم يجب أن يشعر بما يشعر به من تحته.
لم يضع سورًا بينه وبين الناس، ولا حاجزًا بين السلطة والإنسان. لم يرافقه موكب، ولم يستعرض قوة. كان حاكمًا لا يُشبه الحكّام، وزعيمًا لا يُشبه الزعامة. عاش كما لو أنه لم يحكم يومًا، بل خدم.
كانت مزرعته الصغيرة أكثر صدقًا من مكاتب السياسة، وكان بيته المتواضع أكثر عظمة من أروقة البرلمانات.
لقد أثبت موخيكا أن الرئاسة يمكن أن تكون فعلًا شعبيًا، لا مجرد وظيفة سيادية، وأن الحاكم لا يحتاج إلى أسوارٍ عالية ليحكم، بل قلبٍ مفتوح.
حين سُئل عن نمط حياته المتقشف، قال:
"أنا لا أعيش في فقر، بل أعيش ببساطة. الفقر الحقيقي هو أن تحتاج إلى الكثير لتكون سعيدًا."
لم يكن خوسيه موخيكا مجرد رئيس دولة، بل كان درسًا حيًا في التواضع، ومرايا صافية تعكس ما يمكن أن تكون عليه السلطة حين تسكن نفسًا لم تفسدها الألقاب.
رحل بيبي، وبقي كوخه، وبقيت صورته بالبيتل الزرقاء، وبقيت مانويلا، وبقيت مزرعةٌ صغيرة تقول للعالم كل صباح:
"هنا عاش رجلٌ كبير... لم يحتجْ إلا القليل، ليترك الكثير."