عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
من "عزازيل" إلى البخاري.. معارك يوسف زيدان الفكرية
تقرير
خط النار
منار تامر
5/1/2025


في مشهد ثقافي يميل في كثير من الأحيان إلى الرتابة أو التكرار، يبرز اسم يوسف زيدان كما تبرز نغمة نشاز في لحن محفوظ، ليس لأنه يهوى الجدل من أجل الجدل، بل لأنه قرر منذ البداية أن يسلك طريقًا غير معبّد، يسير فيه عكس التيار حينًا، ويخترق المسكوت عنه حينًا آخر، هو الروائي، والمفكر، والباحث في التراث الصوفي والفلسفي، الذي لم يرضَ بدور المفسِّر أو الراوي فقط، بل أراد أن يكون فاعلًا، يهدم ويبني، يسائل ويستفز، يوقظ العقل ويبعثر الطمأنينة الخادعة.
رواية "عزازيل" والجدل اللاهوتي
في عام 2008، خرجت رواية "عزازيل" إلى النور؛ لتفتح أبوابًا من الجدل لم تُغلق حتى الآن، بطل الرواية راهب مصري يعيش في القرن الخامس الميلادي، يتنقل بين الإيمان والشك، بين العزلة والرغبة، وبين صوت الضمير وهمسات "عزازيل" – الشيطان، لم تكن الرواية مجرد عمل أدبي، بل كانت مواجهة جريئة مع قضايا العقيدة المسيحية في لحظة تاريخية حرجة، مليئة بالانشقاقات اللاهوتية والعنف باسم الدين، اتهمت الرواية الكنيسة القبطية بالإساءة إلى العقيدة، واعتبرها البعض تشكيكًا في رموز الإيمان، لكن زيدان دافع عن عمله، مؤكدًا أنه يتناول وقائع تاريخية منسية، ويُعيد قراءة التراث بعيدًا عن القداسة المطلقة.
صلاح الدين الأيوبي.. من بطل إلى متهم
ربما كانت واحدة من أكثر تصريحاته إثارةً للغضب الشعبي، حين وصف صلاح الدين الأيوبي بأنه "ليس بطلًا"، بل اتهمه بالتعصب الديني، وتدمير مكتبة القاهرة، واضطهاد الفاطميين والمفكرين، لم تمر هذه التصريحات مرور الكرام، بل أثارت عاصفة من الانتقادات الإعلامية والدينية، حيث اعتبرها كثيرون "تشويهًا للتاريخ" و"محاولة لهدم الرموز الوطنية"، في المقابل، قال زيدان إنه يرفض "التاريخ المصنوع"، وإنه يعيد قراءة الوقائع من مصادر أصلية، متهمًا الكتب المدرسية بترويج أساطير.
الهجوم على التراث الإسلامي
لم يكن التراث الإسلامي في مأمن من نقد زيدان، بل كان في مرمى تحليلاته دائمًا، من كتب الحديث إلى مدونات الفقه والكلام، أبرز تصريحاته كانت حول "صحيح البخاري"، حيث وصف بعض الأحاديث فيه بأنها "تسيء للعقل"، معتبرًا أن بعض ما نُقل عن النبي لا يليق به، هذه التصريحات فتحت عليه أبوابًا من الهجوم، خصوصًا من علماء الأزهر والدعاة، الذين اعتبروا ذلك طعنًا في الدين وتحريفًا لمصادره، لكنه رد بأن القرآن هو المصدر الأوحد المقدّس، وما عداه قابل للنقد والتمحيص.
معارك فكرية مع المؤسسة الدينية
العلاقة بين يوسف زيدان والأزهر يمكن وصفها بالمتوترة، حيث يرى زيدان أن المؤسسة الدينية في حاجة ماسة إلى "تجديد جذري" للفكر الإسلامي، لا مجرد تجميل أو تعديل.
المثقف المثير للجدل أم المفكر الشجاع؟
تنقسم الآراء حول يوسف زيدان كما ينقسم البحر وقت العاصفة، هناك من يرى فيه بطلًا للحرية لا يخشى السلطة الدينية أو التراث، ويجرؤ على مساءلة المُسلَّمات، وهناك من يعتبره مستفزًا يبحث عن الشهرة عبر هدم الثوابت، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن زيدان لا يترك أحدًا في منطقة الحياد، فهو يجبر قارئه على التفكير، وعلى اختيار موقعه بين من يؤمنون بالأسئلة، ومن يخشونها.
يوسف زيدان ليس مجرد كاتب أو روائي
إنه ظاهرة فكرية تشق طريقها وسط ضباب كثيف من التكرار والخوف والتقديس، هو الصوت الذي لا يتوقف عن السؤال، حتى وإن جاءه الجواب في هيئة هجوم، ربما لن يتفق معه الجميع، وربما يُغضب البعض، لكنه بلا شك يحرك مياه الفكر الراكدة، ويُذكّرنا بأن الثقافة ليست سكونًا، بل حركة دائمة نحو الحقيقة، وإن كانت تلك الحقيقة مراوغة كالضوء.