عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

من حافظ إلى الشرع: وجوه السلطة في سوريا من الاستبداد إلى التطبيع

مقال

خط النار

شهد عبدالفتاح

4/30/20251 دقيقة قراءة

عائلة الأسد التي حكمت سوريا لمدة 54 عامًا، بعدما غادر بشار كرسيه وفرّ إلى روسيا في 7 ديسمبر 2024، خلفت دمارًا وفوضى ومجازر كثيرة، لم يكن بشار الأسد أول من أحدث الفوضى بسوريا، فقد كان تاريخ أبيه حافظ مليئًا بالفوضى أيضًا، فعلاقة هذه العائلة بسوريا علاقة معقدة، يمكن أن نلخصها في مثل: "من شابه أباه فقد ظلم"، وإذا كان المثل ينطبق على حافظ الأسد وابنه بشار، فحتمًا قد ظلم.

حافظ رئيسًا لسوريا

بعد حرب 1967 وسقوط الجولان السورية في يد إسرائيل، بدأ كبار المسؤولين في سوريا تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الهزيمة، وكانت أهم هذه الخلافات بين أكبر شخصيتين في سوريا آنذاك، وهما وزير الدفاع "حافظ الأسد" وزعيم حزب البعث "صلاح جديد"، الصراع بينهما كان في تطور مستمر، بسط صلاح جديد سلطته على حزب البعث، أما الأسد فقد بسط سلطته على الجيش والمخابرات، وقد وصل الصراع بينهما إلى الذروة في أيلول عام 1970، عندما دعم جديد دخول الجيش السوري إلى الأردن لدعم الفصائل الفلسطينية هناك، بينما عارض حافظ هذا الأمر ورفض توفير غطاء جوي للقوات، مما أدى إلى هزيمتها وانسحابها من شمال الأردن.

بعدها ببضعة أسابيع، اجتمعت قيادة حزب البعث وقررت إقالة حافظ من جميع مناصبه، لكنه كان ممسكًا بزمام الأمور جيدًا، فكان بسط سيطرته على الجيش هو العامل الحاسم، لذلك رد على قرار الحزب بانقلاب عسكري، أطاح بصلاح جديد وأمر باعتقاله، كما أطاح برئيس سوريا آنذاك "نور الدين الأتاسي" واعتقله أيضًا، أطلق الأسد على هذا الانقلاب اسم "الحركة التصحيحية"، ومن بعدها أصبح رئيسًا لسوريا، وزعيمًا لحزب البعث، وقائدًا للجيش، فقد أصبح القائد الأوحد لسوريا.

خلال فترة زمنية قصيرة، استطاع الأسد توطيد سلطته عن طريق طرد وتصفية واعتقال عدد كبير من الضباط والمسؤولين، وتمكين أقاربه وعائلته من مقاليد السلطة، وكان حكمه مغمورًا بالقمع والاستبداد، كما تلوث تاريخه بالدماء، فقد أقام مجازر بحق شعبه مثل (مجزرة جسر الشغور، مجزرة حماة الأولى والثانية، مذبحة سجن تدمر)، ولم يترك حافظ فرصة لأي صوت معارض.

خليفته بشار

بشار الأسد كان وريث أبيه في حكم سوريا، لم يسعَ لنيل السلطة، لكنها سعت إليه، بعدما هيأ له والده الطريق، فكان نسخة جديدة من حافظ، أحكم قبضته على مقاليد الحكم، ولم يترك بابًا مفتوحًا لمعارضته، وحين قامت الثورة السورية عام 2011، قرر بشار أن يكشر عن أنيابه ويفتح أبواب الجحيم على شعبه، خصوصًا بعد انشقاق أفراد من الجيش وانضمامهم للثورة، فتحولت سوريا إلى ساحة حرب أهلية.

لم يكتفِ بشار بذلك، بل استعان بقوى من مشارق الأرض ومغاربها، فحوّل سوريا إلى أرضٍ محروقة، بعدما أكلت نيران الحرب الأخضر واليابس، قتّل وهجّر ودمّر، واستخدم أسلحة محرمة دوليًا، مثل براميل الكيماوي، فكان بشار أظلم من والده، وصدق من قال: "مات في القرية حافظ فاسترحنا من أذاه، خلف المجحوم بشارًا فاق في الظلم أباه".

ما زاد الأمر تعقيدًا أن عائلة الأسد تنتمي إلى طائفة الأقلية "العلوية"، وهذا ما استغله بشار لإقناع شبيحته بأن زواله من السلطة تهديد وجودي لهم، فحوّل الحرب إلى نزاع طائفي، وفتحت إيران الأبواب لجماعاتها مثل حزب الله وزينبيون وفاطميون، في تطبيق مباشر لسياسة "فرّق تسد"، وهي السياسة المفضلة للديكتاتوريات، فالوحدة خطرٌ عليهم، وأقبية السجون كانت الحل الأمثل لقمع كل من يغرد خارج السرب.

هروب الأسد وصعود المعارضة

بعد فرار الأسد إلى روسيا، واستيلاء المعارضة على السلطة بسهولة، بدأت علامات الاستفهام تُطرح، فكيف لموسكو أن تتخلى عن الأسد وهي التي دعمته طوال الحرب؟ وكيف سحبت إيران يدها فجأة؟! تأمين الأسد لعائلته وفراره دون مقاومة يثير الريبة، فبشار لم يكن يهدد إسرائيل بشخصه، بل كان مجرد دمية بيد إيران وروسيا، وربما كان يريد التطبيع مع إسرائيل، لكن تحالفاته منعته من ذلك.

وربما يكون التطبيع السوري الإسرائيلي قادمًا لا محالة، فالرئيس الحالي "أحمد الشرع" يسعى لإرضاء القوى العالمية وعلى رأسها أمريكا، محاولًا تثبيت حكمه، لذلك سيتنازل وسيُجبر على الرضوخ، ومنذ توليه الحكم يلوّح بأنه لن يتصادم مع إسرائيل، بل يؤكد أن سوريا لن تكون مصدر تهديد لها، متذرعًا بأن بلاده أنهكتها الحرب، ويخشى العقوبات الاقتصادية من أمريكا وأوروبا.

لكن دبلوماسية الشرع بدأت تتغير، فأصبح يشيد بالتطبيع مع إسرائيل، ويمهد في تصريحاته للانضمام إلى "اتفاقية أبراهام"، يريد أن يصافح دولة تحتل أرضه، ولم تبرح فرصة منذ سقوط الأسد إلا وتقصف فيها سوريا، بينما إسرائيل تتوغل عسكريًا داخل بلاده، كل الدول التي طبّعت مع إسرائيل لم تشهد تواجدًا عسكريًا إسرائيليًا على أراضيها، أما سوريا، فإن وقّعت الاتفاقية دون اشتراط الانسحاب الإسرائيلي الكامل، فسيكون الشرع نسخة من السلطة الفلسطينية التي تطلب السلام مقابل اللاشيء.

هذا ليس سلامًا، بل استسلامٌ تتغذى عليه إسرائيل، فتبتلع جسد الوطن العربي كالسرطان، فيمنحها الحكام العرب نصرًا بلا حرب، وإذا وقّع الشرع على اتفاقية أبراهام بشروط إسرائيلية، يكون قد حوّل سوريا من دولة ضمن "محور الشر" إلى دولة ضمن "محور الخير" كما تراه إسرائيل، ويصبح هو ماريونت جديدة، تحركها واشنطن وتل أبيب بدلًا من طهران وموسكو.