عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

من قلب مصر إلى عرش كامبريدج.. محمد العريان في مواجهة التقاليد

تقرير

المراية

منار تامر

5/24/20251 دقيقة قراءة

في عالمٍ تبدو فيه الحدود متلاشيةً حين يتعلق الأمر بالعقول اللامعة، يبرز اسم الدكتور محمد العريان كنموذج فريد لإنسانٍ عبرَ المحيطات، لكنه لم يغادر جذوره.

قصة هذا الاقتصادي المصري الأمريكي ليست مجرد رحلة مهنية مبهرة، بل سيرة فكرية وإنسانية تُلهم وتُدهش. واليوم، يكتب فصلًا جديدًا في هذه السيرة بترشحه لمنصب مستشار جامعة كامبريدج، واحدة من أقدم وأرقى المؤسسات التعليمية في العالم.

لم يأتِ محمد العريان إلى كامبريدج من بوابة المصادفة، بل من بابٍ عريض فتحه العلم والاجتهاد.

وُلد في نيويورك عام 1958 لعائلة مصرية، وتلقى تعليمه الجامعي في كلية كوينز بجامعة كامبريدج، ثم أكمل دراسته العليا في جامعة أكسفورد. انطلق بعدها في رحلة مهنية استثنائية، امتدت من صندوق النقد الدولي إلى رئاسة واحدة من أكبر شركات إدارة الأصول في العالم، شركة "بيمكو"، وتبوأ مناصب استشارية رفيعة لدى مؤسسات كبرى وحكومات، حتى صار صوته مسموعًا في أكثر محافل الاقتصاد تأثيرًا.

لكن الرجل الذي أتقن لغات المال، لم ينسَ يومًا لغة الإنسان.

حين عاد إلى كامبريدج عام 2020 رئيسًا لكلية كوينز، لم يكن مجرد مسؤول جامعي، بل قائدًا يحمل رؤية لتجديد الفكرة الأكاديمية ذاتها.

قاد حملات جمع تبرعات تجاوزت 2.2 مليار جنيه إسترليني لدعم الطلاب والباحثين، وفتح أبواب الكلية لشرائح مجتمعية لم يكن لها من قبل موطئ قدم في مثل هذه المؤسسات. كان العريان يؤمن بأن التعليم الجيد ليس امتيازًا، بل حق يجب أن يُتاح للجميع.

ترشحه لمنصب مستشار جامعة كامبريدج ليس ترشحًا تقليديًا؛ فهذه الوظيفة، رغم طابعها الشرفي، لها وزنها الرمزي والتاريخي. هي منصب حمله من قبل أفراد من العائلة الملكية البريطانية ورجالات دولة من طراز رفيع.

بترشحه، لا يكتفي العريان بكسر قوالب النخبوية، بل يعيد تعريف مفهوم القيادة الأكاديمية، فهو يقدم نموذجًا للمثقف العالمي، الذي لا ينتمي إلى بلدٍ واحد، بل إلى الفكرة الإنسانية الكبرى، ويرى في التعليم قوة ناعمة قادرة على تغيير العالم.

في خطابه الانتخابي، لم يتحدث العريان عن التقاليد بقدر ما تحدث عن المستقبل. دعا إلى تعزيز مكانة الجامعة عالميًا، لا فقط أكاديميًا، بل اجتماعيًا وثقافيًا.

تحدث عن دور كامبريدج في بناء جسور بين الشرق والغرب، وعن ضرورة دمج المعرفة بالمسؤولية، والعقل بالضمير. ولم تكن وعوده انتخابية، بل كانت انعكاسًا لمسيرة طويلة عاشها بين الأرقام والكتب، بين قاعات المؤتمرات وأسواق المال، دون أن ينسى لحظة واحدة أنه ابن ثقافة تُقدّس العلم وتُعلي من شأن الإنسان.

ما يلفت الانتباه أكثر هو الزخم الذي حظي به ترشحه؛ شخصيات بارزة من ميادين مختلفة أبدت دعمها له، من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق غوردون براون، إلى المذيعة الثقافية إميلي ميتليس، إلى الممثل والكاتب ستيفن فراي. هذا التنوع في الدعم لا يعكس فقط شعبية العريان، بل يدل على عمق تأثيره في مجالات متعددة، من الاقتصاد إلى الإعلام إلى الفكر.

ترشُّح محمد العريان لا يمكن النظر إليه إلا كرسالة كبرى: أن ابن الثقافة العربية، حين يُمنح الفرصة، يستطيع أن يشارك في رسم ملامح مستقبل الجامعات الغربية، لا بصفته ضيفًا، بل شريكًا أصيلًا في صناعة القرار والتفكير.

فهي لحظة رمزية تتجاوز شخصه، وتفتح الباب واسعًا أمام الأجيال القادمة التي تبحث عن قدوة تُثبت أن الانتماء إلى العروبة لا يتناقض مع العالمية، بل يُغنيها ويُثقلها.

هكذا، من بين جدران كامبريدج القديمة، تنبعث قصة جديدة، بطلها رجل يكتب اسمه لا بالحبر، بل بأثره.

محمد العريان، المصري الذي يحمل مفاتيح الغد، يعلّمنا اليوم أن الطموح حين يتسلّح بالعلم، لا حدود له.. حتى لو كانت تلك الحدود اسمها كامبريدج.