عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

ميادة الحناوي.. صوتُ الحنين الذي لا يُنسى

المراية

ميادة حسني

5/25/2025

ميادة الحناوي، النجمة السورية التي أضاءت سماء الطرب العربي، ليست مجرد صوت بل ظاهرة فنية عابرة للأجيال. من شوارع حلب إلى مسارح العالم، حفرت اسمها بحروف من ذهب في ذاكرة عشاق الموسيقى.

بصوتها العميق الذي يجمع بين الأصالة والعاطفة، استطاعت أن تروي قصص الحب، والوجع بصدق نادر.

طفولة مبكرة

ولدت "ميادة بنت بكري الحناوي" في 8 أكتوبر 1959 بحي الجلاء في مدينة "حلب" السورية، مهد الفن والثقافة. نشأت في أسرة متواضعة، حيث كانت والدتها تغني في التجمعات النسائية، مما ألهم ميادة حب الغناء منذ نعومة أظفارها.

في سن السابعة، بدأت تغني في المدرسة، وكانت أغنية "يا حبيبي يا محمد"أولى خطواتها نحو الموهبة. شقيقتها فاتن، التي أصبحت لاحقًا مطربة، شاركتها شغف الفن، لكن ميادة كانت الأكثر تألقًا.

اكتشاف الموهبة

في صيف 1977، وخلال سهرة في مصيف "بلودان" السوري، غنت ميادة أمام نخبة من الضيوف، من بينهم الموسيقار "محمد عبد الوهاب". أداؤها لأغنية "لسه فاكر" لأم كلثوم أذهل عبد الوهاب، الذي وصف صوتها بـ"الكنز المدفون". دعاها للسفر إلى القاهرة، حيث انتقلت برفقة شقيقها "عثمان" وسكنت في حي الزمالك قرب منزل عبد الوهاب. هناك، تولى تدريبها وصقل موهبتها، مقدمًا إياها لشركة "صوت الفن"التي أنتجت أول أعمالها الاحترافية.

إبداعات فنية

تعاونت ميادة مع كبار الملحنين، مما جعلها رمزًا للطرب الأصيل. مع "بليغ حمدي"، قدمت أعمالًا خالدة مثل:

"أنا بعشقك" (كلمات عبد الوهاب محمد، 1985)، التي عبرت عن شغف الحب بأسلوب عاطفي.

"الحب اللي كان" (كلمات عمر بطيشة، 1986)، وهي من أكثر أغانيها تأثيرًا في الجمهور.

"مش عوايدك"و"أنا اعمل إيه"، اللتان عززتا مكانتها كمطربة تجمع بين القوة الصوتية والحس الدرامي.

كما عملت مع "محمد الموجي"في "كان يا مكان"، ومع "محمد سلطان" في "الليالي".

ألبوماتها مثل "غيرت حياتي" (1992) و"حكاية حب" (1983) حققت نجاحًا جماهيريًا واسعًا. قدمت حفلات في مهرجانات دولية، مثل مهرجان "قرطاج" 2005، و"معرض دمشق الدولي" 2019، حيث تألقت مع فرقة (الفجر) بقيادة "أمين الخياط".

في مايو 2024، أطلقت أغنية "حبة ذكريا"(كلمات عبد الرحمن الأبنودي، ألحان طلال)، التي صُورت في دبي بتقنيات سينمائية متطورة، مؤكدة قدرتها على مواكبة العصر.

تحديات وأزمات

واجهت ميادة مواقف صعبة شكلت مسيرتها:

منع دخول مصر: في الثمانينيات، مُنعت من دخول مصر لمدة 13 عامًا بسبب قرارات أمنية. بحسب تصريحات اللواء "النبوي إسماعيل"، طلب محمد عبد الوهاب منعها؛بسبب "جوانب فنية وأمنية"، مشيرًا إلى تسجيل مكالمة هاتفية تحتوي على معلومات حساسة مرتبطة بشخصيات سياسية سورية. اتهمت ميادة زوجة عبد الوهاب، ووردة الجزائرية بالتسبب في هذا القرار بدافع الغيرة الفنية.

خلاف مع وردة: في سهرة فنية حضرها شخصيات بارزة، قدمت وردة ميادة بوصفها "السورية"دون ذكر اسمها، مما أثار استياء ميادة وعبد الوهاب. هذا الموقف فاقم التوتر بينهما، حيث اتهمت ميادة وردة بالتأثير على قرار المنع، وهو ما نفته وردة لاحقًا.

شائعات شخصية: في 2024، أثارت صور ميادة جدلًا حول خضوعها لعمليات تجميل، لكن خبير التجميل "سامر بريطع" أكد أن الصور قديمة. كذلك، نفت شائعات إصابتها بالزهايمر وكورونا، موضحة أن غيابها كان بسبب وفاة شقيقتها فاتن ومرض شقيقها عثمان.

مواقف سياسية

في ديسمبر 2024، علقت ميادة على سقوط نظام بشار الأسد، معبرة عن أملها في رئيس مثقف يقود سوريا نحو مستقبل أفضل. لكن تصريحات سابقة نسبت إليها دعمها للأسد، مما أثار انتقادات ووصفها البعض بـ"الشبيح". هذه المواقف عكست تعقيد علاقتها بالجمهور السوري المعارض.

عودة قوية

في سبتمبر 2023، تصدرت ميادة التريند بحفلها في جدة ضمن فعاليات "ليلة من الزمن الجميل"، حيث أبهرت الجمهور بحيويتها. عبرت عن شوقها للجمهور المصري، مشيرة إلى أن مصر بلدها الثاني، وأن ظروف كورونا حالت دون عودتها لحفلات القاهرة.

أغنيتها الأخيرة "حبة ذكريات"أثبتت أنها لا تزال قادرة على التألق، مع خطط لجولة فنية في 2025 تشمل مصر والإمارات.

تأثير ثقافي

ميادة ليست مجرد مطربة، بل رمز ثقافي. قال عنها الكاتب محمد بديع سربية: "ميادة حققت في ثلاث سنوات ما حققته وردة في ثلاثين عامًا"، مشيرًا إلى تأثيرها السريع. أغانيها، التي تتناول الحب والحنين، أصبحت جزءًا من الذاكرة الجماعية العربية. قدرتها على الجمع بين الأصالة والحداثة جعلتها جسراً بين الأجيال، من عشاق الطرب الكلاسيكي إلى الشباب المعاصر.

ميادة الحناوي هي أكثر من صوت؛ إنها حكاية شغف وصمود. رحلتها، الممزوجة بالنجاحات والتحديات، تعكس روح فنانة رفضت أن تكون مجرد نجمة عابرة. من منعها في مصر إلى عودتها المبهرة، أثبتت أن الفن الحقيقي يتجاوز الحدود والعقبات. صوتها، الذي يحمل عبق الزمن الجميل، سيظل يتردد في القلوب، كما لو أنه لحنٌ كُتب ليبقى خالدًا. ميادة ليست مجرد مطربة، بل قصة حبٍ موسيقية، ترويها الأجيال وتحييها الأرواح.