عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
نائل البرغوثي.. حكاية وطن تُروى من زنزانة
تقرير
المراية
منار تامر
4/20/20251 دقيقة قراءة


في ليلةٍ صامتة تحمل ما بين طيّاتها الكثير من الترقب والقلق، عبَر نائل البرغوثي بوابة الزنزانة الأخيرة في سجون الاحتلال، لكنه لم يعبر إلى الحرية التي حلم بها طويلًا، بل إلى منفى بعيد، قُدّر له أن يكون مصر.
خرج بعد أن قضى من عمره ما لم يقضه أيّ فلسطيني قبله في السجون الإسرائيلية: 45 عامًا بين جدرانٍ صامتة، وأقفالٍ صدئة، وضوءٍ خافت لا يُشبه شمس بلاده.
الأسير الذي صار أسطورة
وُلد نائل في قرية كوبر الواقعة شمال غرب رام الله عام 1957، في بيتٍ فلسطيني يعرف معنى الانتماء. لم يكن عمره قد تجاوز العاشرة حين خطَّ أول شعاراته على جدران قريته، رافضًا الاحتلال، غاضبًا على الواقع، عاشقًا للحرية.
هناك، بين دروب القرية ومدارسها، نما الفتى الذي سيُصبح لاحقًا "عميد الأسرى"، وهو اللقب الذي لم يمنحه إيّاه الإعلام، بل التاريخ والمكان والألم.
في عام 1978، وبعد اتهامه بتنفيذ عملية أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي، حُكم على نائل بالسجن المؤبد، مضافًا إليها 18 عامًا.
وهكذا دخل الزنزانة صغيرًا، وكان قدَره أن يشيخ داخلها. تغيّرت الوجوه والأزمنة، وسقطت دول وقامت أخرى، لكن زنزانة نائل بقيت كما هي، تستيقظ كل صباح على جسده النحيل وإرادته الفولاذية.
خلال 34 عامًا من السجن المتواصل، غيّر نائل انتماءه السياسي من حركة فتح إلى حركة حماس، في وقتٍ كانت فيه فلسطين تُعاد صياغتها على ضوء اتفاقات أوسلو، ودماء الرفاق، وانقسام الرؤى.
حبٌّ خلف القضبان
في السجن، شاهد نائل على شاشة تلفاز مقيّد تقريرًا عن أسيرة فلسطينية تُدعى أمان نافع، أسَرته قصتها، وربما وجدت فيه قصتها. طلب من أهله أن يتقدّموا لخطبتها، فرفضت حينها، لكنها بعد سنوات ستُصبح زوجته، بعدما أُفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى عام 2011، وعاد إلى كوبر ليُزفّ إليها، لا على فرسٍ أبيض، بل على عربة من ذكريات السجن وقسوة الزمان.
لكنه لم يهنأ طويلًا، ففي عام 2014، أُعيد اعتقاله من جديد، في حملة اعتقالات طالت عددًا من محرّري صفقة شاليط، ليعود الحكم المؤبد ويثقل ظهره مرةً أخرى، في مشهد يُشبه العبث أكثر مما يُشبه العدالة.
الإفراج من جديد.. إلى منفى مؤلم
في أبريل 2025، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، أُفرج عن نائل البرغوثي. لكن هذه المرة، لم تكن العودة إلى كوبر ممكنة، فقد قررت إسرائيل إبعاده إلى خارج الوطن، حيثُ رحل إلى مصر، وأُغلقت الأبواب في وجه زوجته التي مُنعت من السفر، وكأن السجن قد تغيّر شكله، لا مكانه.
قضية وطن.. لا مجرّد سجين
قصة نائل البرغوثي ليست قصة فرد، بل مرآة تعكس وجع وطنٍ بأسره؛ جيل كافح، وآخر ينتظر.. إنها الرواية الممتدة للأسرى الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم العشرة آلاف، والذين تمثّل قضيتهم الشريان النابض في قلب كل بيت فلسطيني.
في الزنازين.. أسماء لا تُنسى أبدًا
ولن تكون حكاية نائل الوحيدة، ففي الظل يقبع رجالٌ آخرون حملوا البندقية ودفعوا الثمن عمرًا مديدًا بين الجدران:
عبد الله البرغوثي.. المعروف بـ"أمير الظل"، حُكم عليه بـ67 مؤبدًا، ويُعد من أبرز قادة الجناح العسكري لحماس، عُرفَ ببراعته في تصنيع العبوات، وكان وراء عمليات أوجعت الاحتلال في بداية الألفية.
إبراهيم حامد.. القائد العسكري لكتائب القسام في الضفة الغربية، حُكم عليه بـ54 مؤبدًا، كان مطاردًا لثماني سنوات قبل أن يُعتقل عام 2006، تاركًا خلفه أثرًا عميقًا في كل ساحة مواجهة.
حسن سلامة.. الرجل الذي وُلد في مخيم خان يونس ونفّذ هجمات ردًا على اغتيال المهندس يحيى عياش، محكوم عليه بـ48 مؤبدًا، وما زال يقبع في عتمة الزنزانة.
مروان البرغوثي.. القائد الفتحاوي الذي أصبح رمزًا للوحدة بين الفلسطينيين خلف القضبان، حُكم عليه بخمس مؤبدات، وما يزال صوته يتردد في الساحات، مرشحًا محتملاً لقيادة مستقبل فلسطين.
أحمد سعدات.. الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحد أبرز الرموز السياسية الأسيرة، يقضي حكمًا بالسجن 30 عامًا بتهمة التخطيط لعملية اغتيال.
في ظلال السجون، لا تموت الأحلام، بل تُروى بالحكايات..
ونائل البرغوثي، الذي عاش ثلثي عمره خلف القضبان، خرج إلى المنفى بجسدٍ أنهكه القيد، لكن بروحٍ تواصل رفع راية الحرية.
ووراءه، في كل زنزانة، يقف رجال ونساء، يكتبون فصولًا جديدة في الرواية الفلسطينية، رواية الحلم الذي لا ينكسر، وإن طالت ليالي السجن وظلمها.