عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
نوبل في يده وسكين في رقبته.. نجيب محفوظ بين الكفر والإيمان
المراية
ندى يونس ـ إحسان أسامة
3/11/20251 دقيقة قراءة


في زوايا حارات القاهرة القديمة، حيث تتلاطم الأزمة والثورة، وتتجلى الحياة في كل تفاصيلها، يأتي نجيب محفوظ برواية أولاد حارتنا، ليرسم صورة حية ومفصلة للحياة في مصر القديمة والحديثة.
من خلال هذه الرواية، يفتح نجيب محفوظ أبوابًا إلى عالم من الصراعات والتحديات، حيث يلتقي الخير والشر، والدين والسياسة، في معركة لا تنتهي. لكن باب الصراع الذي فُتح لم يقتصر على أحداث الرواية فقط، بل امتدت جذوره إلى حياة نجيب محفوظ نفسه.
واجه نجيب محفوظ اتهامات بالكفر والإلحاد بسبب الرمزية التي استخدمها في رواية أولاد حارتنا؛ إذ اعتبر البعض أن شخصية "الجبلاوي" تمثل الذات الإلهية، بينما رأى آخرون أنها ترمز إلى الدين، كما ساهم تشابه أسماء الشخصيات مع الأنبياء في إثارة الجدل.
تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال عام 1994 بسبب هذه الرواية، ورغم منعها رسميًا لفترة طويلة، ظلت الرواية محل نقاش حاد بين من يرونها إساءة للدين ومن يعتبرونها دفاعًا عن دور الإيمان في استقرار المجتمع.
يعود أصل الهجوم إلى الجدل الذي أثارته أولاد حارتنا، التي نُشرت لأول مرة عام 1959 على صفحات جريدة الأهرام، ثم مُنعت من النشر في مصر بقرار غير رسمي، بسبب تأويلها على أنها تتعرض للذات الإلهية والأنبياء.
وقد واجه محفوظ منذ ذلك الحين انتقادات حادة من بعض رجال الدين، الذين اعتبروا الرواية إساءة للمقدسات.
تصاعدت حدة الهجوم على محفوظ بعد إعلان لجنة نوبل منحه الجائزة عام 1988، حيث أشارت إلى أن من بين أبرز أعماله أولاد حارتنا، مما أعاد الرواية إلى دائرة الجدل الديني والفكري. وفي عام 1992، أصدر عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، فتوى بتكفير محفوظ، مما دفع بعض أتباع الجماعة إلى التفكير في تصفيته جسديًا نصرةً للدين.
كان نجيب محفوظ يخرج من منزله كعادته متجهًا إلى سيارته في الصباح، عندما اقترب منه شاب يدعى محمد ناجي، يبلغ من العمر 26 عامًا، وطعنه في عنقه باستخدام سكين. وسرعان ما تدخل سائقه وبعض الجيران لإنقاذه، وتم نقله إلى المستشفى، حيث خضع لجراحة طارئة.
أوضحت التحقيقات لاحقًا أن الجاني لم يقرأ الرواية حتى، بل سمع من بعض المشايخ أنها تُهين الدين، فقرر تنفيذ الهجوم بناءً على هذه الروايات دون أن يتحقق بنفسه.
وخلال استجوابه، أقرّ المتهم بأنه لو لم يتدخل أحد، كان سيحاول توجيه طعنة أخرى، وأنه غير نادم على فعلته.
أثارت محاولة اغتيال نجيب محفوظ موجة كبيرة من الاستنكار في الأوساط الثقافية والفكرية؛ حيث اعتُبرت اعتداءً على الحرية الفكرية.
وأثر الحادث بشكل كبير على نجيب محفوظ؛ إذ تعرض لضرر دائم في أعصاب يده اليمنى، مما جعله غير قادر على الكتابة اليدوية بشكل طبيعي.
لكنه لم يتوقف عن الإبداع، بل لجأ إلى إملاء أفكاره على مساعديه، وتمكن من إصدار أعمال جديدة.
أُلقي القبض على الجاني، وأُحيل إلى المحاكمة، حيث أُدين بمحاولة القتل، وحُكم عليه بالإعدام لاحقًا.
حادثة الاغتيال التي تعرض لها نجيب محفوظ تظل تحمل في طياتها رسالة قوية حول أهمية حرية التعبير كأحد أهم ركائز الحضارة الإنسانية. هذه الحرية، التي سقطت ضحيتها أرواح عديدة من الكتاب والفنانين، هي نفسها التي جعلت من نجيب محفوظ رفيقًا للشعب المصري في رحلته نحو التحرر والتنوير.
فهي أساس كل الحريات الأخرى، وهي التي تمكّن الكتّاب والفنانين من التعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية دون خوف من التهديد أو القمع.
نجيب محفوظ، ككاتب وروائي، كان دائمًا يؤكد أهمية هذه الحرية، ويُعتبر أحد رموز المقاومة ضد الرقابة والقمع الفكري.
لن ننسى هذه الحادثة، ولن ننسى رسالتها حول أهمية حرية التعبير، وسنستمر في الدفاع عنها، حتى نضمن أن يستمر الكتّاب والفنانون في التعبير عن أنفسهم بحرية.