عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

نور الشريف: الفنان الذي خاصم السلطة وصالح الشاشة

تقرير

المراية

دنيا عبدالفتاح

5/20/2025

وُلد نور الشريف باسم "محمد جابر"، لكنه قرر أن يعيش باسم "نور الشريف"، حبًا في عمر الشريف، زاده العشم، واعتبر نفسه ابنًا روحيًا له، فاختار اسمه وكأن الشهرة تُورّث بالألقاب لا بالأدوار.

"اعتزال قبل اللقاء: حب أول من طرف واحد"

بدأت علاقة نور الشريف بالتمثيل بانضمامه إلى مسرح مدرسة "بنبا قادن" الإعدادية، وقد لاحظ مدرس المسرح شغفه بعبد المنعم إبراهيم، فأهداه تذكرة لحضور إحدى مسرحياته، وكانت تلك التذكرة بمثابة إعلان اعتزال مبكر عن عالم الفن قبل أن يدخله، فعندما تأخر نور في العودة من المسرحية، خرج عمه إسماعيل -الذي كان يتولّى تربيته بعد وفاة والده- ينتظره في الشارع، ووبّخه بشدة، فقرر يومها نور، المهووس بالفن والعازم على الدخول إلى عالم التمثيل، أن يعتزل الفن قبل أن يعرفه، ويلتحق بفريق الناشئين بنادي الزمالك عام 1961.

"أول صمت أمام الكاميرا... وأول جنيهين من المسرح"

في عام 1963، وأثناء دراسته الثانوية، لاح أول بصيص من حلمه السينمائي حين عرض عليه صديقه دورًا في فيلم "النظارة السوداء" أمام الفنانة نادية لطفي، وبدأ يتدرّب على الوقوف أمامها، قبل أن يكتشف أثناء التصوير أن الدور مجرد "كومبارس صامت"، فكان صمته أمام الكاميرا بمثابة إيقاظ للحلم داخله، فعاد إلى مسرح المدرسة، وعندما كان يقدّم إحدى المسرحيات، حضرها المخرج سعد أردش، الذي أعجب بموهبته وطلبه للمشاركة في مسرحية "الشوارع الخلفية"، مقابل أجر قدره جنيهين عن كل عرض.

لمع الجنيهان في عين نور، المحب للفن والزاهد عن المال، فازدادت رغبته في الالتحاق بمعهد السينما، رغم معارضة عمه، لكنه أقنعه بخداع أبيض بأنه سيلتحق بقسم الديكور، وسيسجّل أيضًا في كلية التجارة، وبالفعل، التحق نور بقسم التمثيل، وكان كثير التردد على مسرح كلية الزراعة، حيث تعرّف على عادل إمام وصلاح السعدني، صديق عمره.

"سنة النكسة... سنة الازدهار"

في عام 1967، وبينما كانت البلاد تعيش أجواء الحزن بعد نكسة يونيو، كان نور الشريف يحتفل بسنة ازدهاره، فقد طلبه المخرج محمد فاضل لبطولة مسلسل "القاهرة والناس"، الذي حقق نجاحًا باهرًا، بالتزامن مع تخرجه من المعهد بتقدير امتياز، كما اختاره المخرج حسن الإمام لفيلم "قصر الشوق"، ليقف أمام عبد المنعم إبراهيم، السبب الأول في حبه للفن، وأمام بوسي، التي وقع في حبها، ليهتف نور لنفسه: "ليت السنين جميعها سنة النكسة".

"حين خانه التوقّع"

نجاح نور وازدهاره جعله يتوقع سيلًا من العروض، لكن الحياة جاءت بما لم يتوقع، فاختفى عن الأضواء تسعة أشهر كاملة، وكأن كاميرات السينما فقدت رقمه، اضطر للعمل في أفلام المقاولات وسافر إلى لبنان، حيث قدّم عدة أفلام، وجرفته الفلوس إلى إدمان الحبوب المخدّرة، اعتقادًا منه أنها ستمنحه أداءً تمثيليًا أفضل، لكنها أثّرت عليه سلبًا في الأداء والسلوك.

"حين أغلق باب بوسي... فُتحت له أبواب السينما"

عاد نور إلى مصر وفي جعبته المال، وعلى وجهه أمل كبير، فتقدّم لطلب يد بوسي، لكن سمعته في لبنان سبقته إلى والدها، فرفضه دون نقاش.

لكن أبواب السينما فُتحت له من جديد، فبدأ في انتقاء أدواره بعناية، حتى وقف مجددًا أمام بوسي في فيلم "ليالي لن تعود"، وقرر أن يخوض حربًا غير نزيهة من أجل حبّه، فبدأ بتسريب أخبار إلى الصحافة عن وجود علاقة حب وربما زواج سري بينهما، التقطت الصحافة الطُعم، ونشرت صورًا لهما أثناء التصوير باعتبارها حقيقة، وصلت الصور إلى والد بوسي، وتحت ضغط الصحافة، وافق أخيرًا على الزواج، فتزوّجا في 22 أغسطس 1972.

"التمثيل كمعارضة سياسية"

في عام 1974، قرر نور الشريف الإقلاع عن الحبوب، وأدمن بدلًا منها النجاح تلو الآخر، لم تكن نجاحاته فنية فقط، بل سياسية أيضًا – أو بالأحرى صدامية مع أصحاب القرار.

وضعه فيلم "الكرنك" في مرمى نيران الناصريين، وفتحت عليه مسرحية "بكالوريوس في حكم الشعب" أبواب النقد، بينما أغلق عليه فيلم "أهل القمة" شباك العرض بعد صدام مع السادات، الذي لم تعجبه إشارات الفيلم السياسية والاجتماعية.

أما فيلم "ناجي العلي"، فكان القنبلة الحقيقية، إذ دفع بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى التوسل إلى حسني مبارك لإيقاف عرضه، لكن مبارك رفض التدخل، فخرج الفيلم للنور، لتتحول سهام الهجوم إلى نور نفسه، متهمين إياه بالخيانة لتجسيده شخصية رسام كاريكاتير هاجم مصر وسبّ السادات، لم يصمد الفيلم طويلًا، ورُفع من دور العرض بعد أسبوعين فقط، دون أن يحقق إيرادات تُذكر أو تعاطفًا كافيًا.

"الفيلم الذي اختفى في ظروف غامضة"

ويبدو أن نور لم يكن يختار أدواره بقدر ما كان يختار خصومه السياسيين، ففي عام 1995، شارك في فيلم "خيط أبيض وخيط أسود"، الذي تناول القضية الفلسطينية من منظور أوروبي متعاطف، لكنه لم يدخل معركة العرض أصلًا، إذ اختفى تمامًا أثناء تحميضه في روما، في ظروف غامضة تُشبه نهايات أفلام الجاسوسية أكثر مما تُشبه السينما العربية.

"بطولة جديدة من تأليف الجريدة"

في أكتوبر 2009، وبينما كان نور الشريف يصوّر فيلم "متخافوش" في رحلة بحرية، فوجئ بعنوان في جريدة "البلاغ الجديد" يتّهمه، إلى جانب خالد النبوي وحمدي الوزير، بالضلوع في شبكة للشذوذ الجنسي داخل فندق سميراميس.

تساءل بدهشة: "من هو نور الشريف الذي تم القبض عليه؟!"

لم يمر الخبر مرور الكرام؛ فقد أصدرت وزارة الداخلية بيانًا عاجلًا نفت فيه الواقعة تمامًا، وأكدت أن الأسماء الواردة لا علاقة لها بأي تحقيق، ثم انقلب السحر على الصحافة، فتم القبض على عبد المغربي رئيس تحرير الجريدة، والصحفي إيهاب العجمي كاتب الخبر، وصدر بحقهما حكم بالسجن عامًا، وغرامة مالية قدرها 160 ألف جنيه.

النهاية

توفي نور الشريف في 11 أغسطس 2015، وبثت القنوات مشهده الأخير في مسلسل "عمر بن عبد العزيز"، أثناء احتضاره، تلبية لطلبه بلقاء جمهوره في وداع أخير.

فهل كان نور الشريف يختار أدواره، أم أن الأدوار – ومن

ورائها السلطة – هي التي اختارت له معارك لا تنتهي؟