عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.
نزار قباني… شاعر الحب والثورة
تقرير
المراية
ميادة عيسى
5/1/2025


في ذكرى رحيله، نتوقف عند محطات حياة نزار قباني، الذي تحوّل شعره إلى أيقونة للحرية، والحب، والجمال، شاعر دمشقي حفر اسمه في الذاكرة العربية، وتحوّلت كلماته إلى أناشيد للقلوب وأسلحة للكلمة.
بداية مبكرة
وُلد نزار قباني في 21 مارس 1923 في العاصمة السورية دمشق، لعائلة عُرفت بالثقافة والفن، كان جده "أبو خليل قباني" من رواد المسرح العربي، وقد ترك هذا الإرث الفني بصمة واضحة في شخصية نزار الشاعرية، درس الحقوق في جامعة دمشق، وتخرّج عام 1945، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي السوري ليعمل في عدد من العواصم حول العالم.
شعر الحب
اشتهر نزار قباني في بداياته بشعر الحب والرومانسية، حيث عبّر عن مشاعر العشق والأنوثة بلغة جديدة على الشعر العربي، لغة بسيطة، صادقة، وعميقة في آنٍ واحد، من أبرز دواوينه في هذه المرحلة: قالت لي السمراء (1944)، وحبيبتي (1961)، والرسم بالكلمات (1966).
قال في إحدى قصائده:
"كلماتنا في الحب تقتل حبنا
إن الحروف تموت حين تقال"
من ديوان الرسم بالكلمات
تحولات سياسية
شهد شعر نزار تحولًا كبيرًا بعد نكسة عام 1967، فبدأ يعبّر عن هموم الأمة وقضاياها، موجها نقدًا لاذعًا للأنظمة العربية، ديوانه هوامش على دفتر النكسة كان بمثابة صرخة سياسية حركت الشارع الثقافي، وأدخل نزار في مواجهة مباشرة مع الرقابة والسلطات.
من أبرز ما قاله في هذا السياق:
"لم يدخل اليهود من حدودنا
وإنما، تسربوا كالنمل من عيوبنا"
من ديوان هوامش على دفتر النكسة
تجارب شخصية
تأثرت كتابات نزار بتجارب شخصية مؤلمة، أبرزها انتحار شقيقته بسبب زواج قسري، ووفاة زوجته بلقيس الراوي في تفجير السفارة العراقية ببيروت عام 1981، كتب عنها قصيدة شهيرة بعنوان بلقيس عبّر فيها عن حزنه العميق قائلًا:
"بلقيسُ… كانت أجملَ الملكاتِ في تاريخِ بابلْ"
من ديوان بلقيس
حضور دائم
على الرغم من مرور أكثر من عقدين على وفاته، لا يزال شعر نزار قباني حيًا في وجدان القراء والمستمعين، غنّى له كبار الفنانين مثل عبد الحليم حافظ، وكاظم الساهر، وفيروز، لتتحوّل قصائده إلى جزء من الذاكرة العاطفية العربية.
إرث خالد
رحل نزار قباني في 30 أبريل 1998 في لندن، ودُفن في دمشق بناءً على وصيته، قال عن مدينته:
"دمشق، الرحم الذي علّمني الشعر، علّمني الإبداع، وأهداني أبجدية الياسمين."
من وصيته
ترك نزار خلفه أكثر من 35 ديوانًا شعريًا، وعددًا من الكتب النثرية، ولا يزال صوته حاضرًا في كل بيت عربي.
تأثيره على الأغنية العربية
تحوّلت العديد من قصائد نزار قباني إلى أغانٍ خالدة، غنّاها كبار الفنانين العرب، مما ساهم في انتشار شعره بشكل واسع، من أبرز هذه الأغاني:
"قارئة الفنجان" و"رسالة من تحت الماء" بصوت عبد الحليم حافظ
"زيديني عشقًا" و"أحبك جدًا" بصوت كاظم الساهر
"لا تسألوني ما اسمه حبيبي" بصوت فيروز
هذه الأغاني جعلت من شعر نزار جزءًا لا يتجزأ من الوجدان العربي، حيث تردد كلماته في المحافل والمناسبات، وتُدرّس في المدارس والجامعات.
اقتباسات مختارة
"علمني حبك أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن"
من ديوان الرسم بالكلمات
"الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا أن الوصول محال"
من ديوان الرسم بالكلمات
"كلّ الذي أعرف عن مشاعري
أنك يا حبيبتي، حبيبتي
وأنّ من يحبّ لا يفكّر."
من ديوان أنت لي
تأثير معاصر
لا يزال تأثير نزار قباني حاضرًا بقوة في قصائد عدد من شعراء اليوم، سواء في الشكل أو المضمون، فقد ألهمت لغته الشعرية البسيطة والعميقة، وتعامله الجريء مع قضايا الحب، والحرية، والسياسة، أجيالًا جديدة من الشعراء الذين ساروا على نهجه، مع الحفاظ على أصواتهم الخاصة.
من أبرز الشعراء العرب الذين تأثروا بتجربته:
تميم البرغوثي: الشاعر الفلسطيني الذي يحاكي في كثير من قصائده روح نزار في ربط القضايا الوطنية بالعاطفة، ويمزج بين البساطة والبلاغة
هشام الجخ: الشاعر المصري المعروف بجرأته في التعبير ولغته القريبة من الناس، يقترب كثيرًا من أسلوب نزار في مخاطبة الشارع العربي
نزار فرنسيس: الذي اختار أن يحمل نفس الاسم، وكتب شعرًا غنائيًا يتقاطع مع رومانسية نزار قباني في كثير من المواضع
في ذكرى وفاة نزار قباني، لا نستحضر مجرد شاعر كتب عن الحب والحرية، بل نستعيد صوتًا غيّر شكل القصيدة العربية، ووسّع حدودها لتصبح أكثر قربًا من الناس وأكثر صدقًا مع الذات، نزار الذي رحل في 30 أبريل 1998، لم يغب عن الذاكرة لحظة، فقصائده لا تزال تُقرأ وتُغنّى وتُلهم أجيالًا جديدة من الشعراء.
رحل الجسد، لكن بقي الشعر حيًا
وبقي نزار.