عاجل: اندلاع حريق في مصنع كيماويات بمركز بلبيس في الشرقية والدفع بسيارات إطفاء لإخماد النيران وفق صحف محلية.

قبل عرض الوثائقي: كيف أفلتت فاتن حمامة من قبضة المخابرات؟

تقرير

أسرار

ندى محمد

6/5/20251 دقيقة قراءة

تستعد قناة "الوثائقية" خلال الأيام المقبلة لعرض فيلم وثائقي عن الفنانة فاتن حمامة، بعد أن شوقت الجمهور بالبرومو الذي طرحته مؤخرًا، والذي يستعرض محطات مهمة في حياة سيدة الشاشة العربية، التي استطاعت بأدائها الساحر أن تترك بصمة واضحة من خلال العديد من الأعمال التي لا تزال راسخة في ذاكرة الجمهور. ولكن خلف الأضواء والكاميرات، تكشف القصة خفايا لا يعرفها الكثيرون، تتجاوز قصة حبها الشهيرة مع الفنان العالمي عمر الشريف، وإسلامه من أجل الزواج بها، ثم انفصالهما المفاجئ، فهناك أسرار أخرى عاشتها فاتن حمامة بمفردها بعيدًا عن الأنظار، خاصة بعد أن وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع جهاز المخابرات، ومحاولة إدخالها في عالم الجاسوسية، ما دفعها في نهاية المطاف لاتخاذ قرار الهروب من مصر.

الكواليس الكاملة وراء محاولة تجنيدها ورعب المراقبة

كشف الكاتب الصحفي مصطفى أمين، في كتابه "مسائل شخصية"، كواليس محاولة تجنيد فاتن حمامة من قبل المخابرات المصرية، حيث طلب أحد رجالها لقاءها، وخاطبها قائلاً: "نحن نعلم أنك شخصية صادقة ومخلصة، وتحبين وطنك، ونريد منك أن تساعدي بلدك". فردت عليه: "أنا مستعدة أن أقدم كل ما أستطيع لوطني"، ثم ناولها بعض الكتب لتقرأها، موضحًا أن المطلوب هو زرع أجهزة تنصت في منزلها، نظرًا لتردد عدد من السفراء وشخصيات عامة عليه. وحين بدأت قراءة الكتب، أدركت أنها تتعلق بأعمال تجسس، مما بثّ الرعب في نفسها، خاصةً عندما تحدث إليها الضابط وكأنه مطلع على تفاصيل دقيقة من حياتها، لتدرك أنها كانت تحت المراقبة.

الهروب الكبير.. فاتن بين الخطر والحنين إلى الوطن

يتابع أمين في روايته أن الخوف بدأ يتسلل إلى يومياتها، حتى إنها كانت تخشى الكلام أمام شقيقها الصغير كي لا يكرر ما سمعه في مدرسته. وبدأ أصدقاؤها يختفون واحدًا تلو الآخر، بين معتقل ومنفي ومراقب، لتتخذ قرارًا مصيريًا: صفت كل ممتلكاتها، باعت عمارتها وسدّدت ديونها، ثم وقّعت على عقود أفلام جديدة وتسلمت عربونها لتوهم الجميع بأنها باقية في مصر، ثم غادرت البلاد في سرية تامة، عازمة على ألا تعود ما دام صلاح نصر على رأس جهاز المخابرات.

بين الروايات المتضاربة والحقيقة الثابتة

رغم تضارب المذكرات والروايات، إلا أن معظمها اتفق على محاولة صلاح نصر تجنيد فاتن حمامة. وأكد على ذلك أيضًا كتاب الناقد أشرف غريب «فاتن حمامة.. مذكرات وذكريات»، الذي أشار إلى جزء من مذكراتها ذكرت فيه أنها عايشت ظلمًا كبيرًا طال كثيرين من حولها، وتعرضت للتضييق في حركتها وسفرها. وأضافت أنها تلقت اتصالًا من شقيق فنان يعمل بهيئة الاستعلامات – يُرجح أنه مرسي سعد الدين، شقيق الموسيقار بليغ حمدي – بعد انتهائها من تصوير فيلمي "الحرام" و"حكاية العمر كله"، تمهيدًا لمشاركتهما في مهرجان كان، وخلال الاتصال طُلب منها تحديد لقاء مع أحد رجال المخابرات، فاضطرت للترحيب بالزيارة.

السياسة خلف كواليس الهروب

ذكر أشرف غريب أيضًا أن الضغوط التي تعرضت لها فاتن حمامة تصاعدت بشكل ملحوظ بعد رفضها التعاون، حتى أن أحد المقربين منها نصحها بالمغادرة قبل أن تصبح تحت الحصار الكامل. ويُرجح أن تلك النصيحة جاءت من الصحفي علي أمين، الذي لعب دورًا محوريًا – بالتنسيق مع زكريا محيي الدين، رئيس الوزراء وقتها وصاحب صلة قرابة بها – في ترتيب خروجها الآمن من مصر وسفرها إلى بيروت، ثم انتقالها إلى لندن، حيث أمضت ما بين 4 إلى 5 سنوات في الغربة. وعند سؤالها عن هروبها من مصر، وهل السبب كان عبد الناصر، أكدت فاتن حمامة في تصريحات صحفية: «أنا لم أهرب من ناصر ولكن من رجاله فى ذلك الوقت، فقد كان مطلوبًا منى تعاوُن لا أقبله، وكنت مرعوبة، وفى نفس الوقت كنت على ثقة بأن عبدالناصر شخصياً لا يعرف ما يدور حوله فى مثل هذه الأمور، مما دفعنى للهرب خارج مصر».

فاتن حمامة وعمر الشريف في مواجهة ضغوط المخابرات

لم تكن هذه أول مرة تحاول فيها المخابرات تجنيد فاتن حمامة، حيث حاولت أكثر من مرة، هي وزوجها السابق عمر الشريف. فقد تحدث الأخير في أكثر من تصريح عن واقعة حاولت فيها المخابرات المصرية، بإشراف مباشر من صلاح نصر، تجنيدهما. ففي أحد الأيام، زارهما نصر في شقتهما بعمارة ليبون في الزمالك، وجلس معهما في لقاء بدا وديًا، حيث احتسى القهوة وتبادل الأحاديث في مواضيع عامة. لكن سرعان ما تغير مسار الحوار، إذ طلب منهما صلاح نصر أن يقدما له معلومات دورية عن الوسط الفني، محددًا بالأسماء عددًا من الفنانين، طالبًا مراقبتهم ونقل أخبارهم، مبررًا الأمر بأنه "لحماية الوطن وضمان أمنه"، وهي العبارة التي كانت تُستخدم كثيرًا في تلك الحقبة لتبرير مثل هذه الطلبات. يروي عمر الشريف تلك اللحظة قائلاً إنه شعر برهبة شديدة ولم يعرف كيف يرد، لكنه لم يحتج للرد، إذ تولت فاتن حمامة الموقف بشجاعة، وأجابت بكل حسم أنها ترفض تمامًا أن تقوم بدور المبلغة أو الجاسوسة على زملائها في الوسط الفني، أيا كانت المبررات.

اعتراض على حكم عبد الناصر

في حوار نُشر بمجلة "المصور" عام 1991، عبرت فاتن عن دعمها الأولي لثورة يوليو 1952، لكنها سرعان ما بدأت تشعر بالخذلان. كانت ترى في قرارات عبد الناصر تناقضًا واضحًا، كتحديد ملكية الأرض أولًا بـ200 فدان، ثم تخفيضها إلى 100 فدان في العام التالي، وبدأ القلق يتسلل إليها مع تصاعد حملات الاعتقال، حيث كان الناس يُنتزعون من بيوتهم إلى السجون، وأصبح السفر خارج مصر خاضعًا لموافقة أمنية. تقول فاتن: "كان الحكم صارمًا إلى حد القسوة، وكنت أكره الظلم الذي طال بعض الوطنيين، عبد الناصر كان وطنيًا وأمينًا، لم ينهب البلاد، لكن نظامه حمل قدرًا كبيرًا من الشدة والقمع في أوقات كثيرة".

طلب عبد الناصر بعودتها ورفضها القاطع

بعد هزيمة 1967 وما أعقبها من فضائح ومحاكمات، خاصة قضية انحراف المخابرات ومحاكمة صلاح نصر، قالت فاتن في مذكراتها إن الرئيس عبد الناصر أمر أحد مساعديه بإبلاغها بضرورة عودتها إلى مصر، معربًا عن أسفه لما تعرضت له، ومعتبرًا إياها "ثروة وطنية" لا يمكن الاستغناء عنها. لكن فاتن رفضت العودة بكل حزم.

العودة في عهد السادات

لم تعد فاتن حمامة إلى مصر إلا في عام 1971، وبعد عودتها كوّنت صداقة قوية مع السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل أنور السادات. وحرصت فاتن على المشاركة في المناسبات الاجتماعية التي تجمعها بجيهان، كما ألقت الشعر أمام الرئيس السادات، الذي كرمها عام 1976 بمنحها وسامًا جمهوريًا رفيعًا تقديرًا لمكانتها الفنية والوطنية.

وثائقي فاتن حمامة.. رحلة فنية ووطنية عبر الزمن

يستعرض الفيلم حياة الفنانة منذ نشأتها في أوائل الثلاثينيات، وبداياتها في السينما مع فيلم "يوم سعيد" إلى حصولها على لقب "سيدة الشاشة العربية". ومن خلال شهادات مقربين وأرشيف نادر، يبرز الفيلم كيف استخدمت الفن لدعم قضايا اجتماعية مهمة، ودفع المجتمع نحو التغيير. كما يسلط الضوء على مواقفها الوطنية وشجاعتها في مواجهة جماعة الإخوان، ودفاعها المستمر عن دور الفن في تشكيل وعي الأمة، مما جعلها رمزًا بارزًا في القرن العشرين.